استطاع الفزع اللندني - بإعلان الشرطة عن إحباط مخطط إرهابي لتفجير عشر طائرات في الجو متجهة إلى الولاياتالمتحدة الأميركية - أن يغير أغلفة الصفحات الأولى في الصحف البريطانية، بعد أن تصدرت قرابة الشهر عناوين الحرب الإسرائيلية على لبنان، وما يقوم به حزب الله، وما تقوم به إسرائيل، وحصر أعداد القتلى من الجانبين، والاهتمام العالمي، وإشفاق العالم من وقوع كارثة إنسانية في لبنان، تصدر خبر إحباط الإرهاب صفحات الصحف، ووكالات الأنباء العالمية، فكان هذا الخبر بمثابة عصى موسى السحرية التي تبتلع كل الاهتمام العالمي بالحرب الإسرائيلية، لتخفيف الضغط الإعلامي على إسرائيل ومن ورائها الولاياتالمتحدة الأميركية، وقرارات مجلس الأمن، وحق الفيتو، وأعداد القتلى الرهيبة، خصوصاً من الأطفال اللبنانيين، ومن جهة أخرى يعطي شرعية أكبر على المستوى الإعلامي بمزيد من الاتفاق الأميركي -البريطاني لتوحيد القوى لمكافحة ما يسمونه"الإرهاب"، وما جعل الرئيس جورج بوش يخرج بمصطلح جديد هذا العام هو"الإسلام الفاشي"في ثنايا حديثه وإشارته إلى خطورة الفاشية الإسلامية. هذا على خلفية إعلان أيمن الظواهري بياناً، بأن تنظيم القاعدة لن يسكت على ما يحدث تجاه المدنيين في لبنان، وهذا الإعلان أعطى لخبر إحباط هذه التفجيرات صدقية أكثر إعلامياً، وعلى رغم كبر حجم هذه الكارثة التي افترضت بعض الصحف البريطانية ماذا يحدث لو أنها وقعت؟ واستحضرت صورة أحداث 11 أيلول سبتمبر، وما نجم عنها من سقوط ضحايا مدنيين كثيرين، كانت هذه الحادثة الذريعة الرئيسة التي على إثرها، أعلن رئيس الولاياتالمتحدة الأميركية جورج دبليو بوش الحرب على الإرهاب، وأنه لابد من إسقاط نظام صدام حسين في العراق، وقامت الحرب المستمرة حتى الآن في العراق، الحجج واهية والدعم الإعلامي يقوم بدور المحرك الرئيس في كل هذه التصرفات غير المستغربة، ما جعل الكثيرين يقترن عندهم مفهوم الإرهاب ومفهوم الإسلام، وأن الحرب على الإرهاب تعني الحرب على الإسلام والعكس بالعكس، ولأن الولاياتالمتحدة الأميركية تكييل بمكاييل تدعم قصف إسرائيل للبنان من جهة، وتدعم ضرورة وجود قوة دولية في منطقة الصراع، باعتبار أن الصراع العربي - الإسرائيلي لا يزال قائماً بعد فشل كل محاولات إقامة عمليات سلام، وما دعم هذا الاتجاه هو إعلان الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أن عملية السلام مع إسرائيل ماتت. إعلان مثل هذه الأخبار من إحباط محاولة تفجير عشر طائرات متجهة من لندن إلى الولاياتالمتحدة الأميركية، يعطي الصلاحية لاعتقال أي شخص لمدة 28 يوماً من دون توجيه أي اتهام إليه، ويحدث خلالها ما يحدث من انتهاكات، ومن ثم تعطي مزيداً من الضوء الأخضر للحرب على الهوية أو الديانة أو أي شيء تفترضه الولاياتالمتحدةوبريطانيا... ويختفي الحدث الأكثر كارثية والأكثر مأسوية"الحرب الإسرائيلية"التي دخلت شهرها الثاني بعيداً من البؤرة الإعلامية، لتتحول كما قلنا سابقاً إلى عصى موسى تبلع كل الأخبار، ويبقى خبر إحباط الإرهاب وما وراءه من توعية المواطنين والمقيمين في بريطانيا ودول أوروبا كلها من الاحتياط، والإبلاغ فوراً عند الشك، والشك هنا لا يفسر لمصلحة المتهم، وإنما يفسر ضد كل من يحمل جواز سفر عربياً مسلماً...، والحرب الصليبية كما وصفها بوش منذ ثلاثة أعوام في العراق تتحول اليوم إلى حرب ضد الفاشية الإسلامية...، وغداً قد تتحول المصطلحات من اليمين إلى اليسار، والعكس، كما هو اليوم إسرائيل من الوجهة الأميركية تدافع عن نفسها بقتلها الأبرياء المدنيين، كل هذا من أجل المشروع الكبير في الشرق الأوسط الجديد الذي تريده أميركا أمركة العالم العربي من أجل مزيد من الأطماع الاستعمارية في المنطقة...، وإنَّا لمنتظرون. * كاتب وصحافي مصري مقيم في الرياض [email protected]