يقتضي عملي أن أقرأ وأهاتف مسؤولين عرباً وأجانب أو أزورهم حيث هم، ثم أكتب. وبما أنني أحياناً أنقل كلاماً لا يكاد يصدق فإنني أجد أن بين القراء، وبعض الأصدقاء، من لا يصدقني. وهكذا كان، وأشرت قبل أيام في شكل عابر الى كلام للرئيس جورج بوش، كنت قرأت أخباراً عنه، وطلبت نصّه واحتفظت به، ووجدت أن بين القراء من لم يصدق ما نقلت، وأن صديقاً أرسل اليّ"تكست"يطلب مني التثبت من مصادر معلوماتي. من دون تواضع فارغ، عندي للقراء دائماً"الرأي الصادق والخبر الصحيح"كما كانوا يقولون في لبنان، والجزء الثاني من هذه المقولة أهم، فالمعلومات يجب أن تكون صحيحة، وبما أنني في دولة قانون، فإنني احتفظ بمصادر مقالاتي أكثر من ستة أشهر، تحسباً لأي مساءلة قانونية بريطانية. سأكتب عن الرأي والمعلومات بعد أيام، أما اليوم فأنقل ترجمتي الحرفية عن نص وزعه مكتب الناطق الصحافي بلسان البيت الأبيض في 28/6/2007 لخطاب ألقاه الرئيس جورج بوش في كلية حرب البحرية تناول فيه العراق والحرب على الارهاب. "الحياة"غطت الخطاب ومواقف أميركية أخرى في حينه، والفقرة في الخطاب التي أشرت اليها وأثارت الاستغراب هي: نجاحنا في العراق يجب ألا يقاس بقدرة العدو على تفجير سيارة تتحدث أخبار المساء عنه، فمهما كان الأمن جيداً فإن الارهابيين سيظلون قادرين على تفجير قنبلة في شارع مزدحم. في أماكن مثل اسرائيل، الارهابيون أزهقوا أرواحاً بريئة على مدى سنوات في حوادث مشابهة. والفارق أن اسرائيل ديموقراطية فاعلة غير ممنوعة من ممارسة مسؤولياتها. وهذا مؤشر جيد للنجاح الذي نطلبه في العراق، أي قيام حكومة تستطيع أن تحمي شعبها، وتقدم خدمات أساسية للمواطنين، وتعمل كديموقراطية حتى وسط العنف. ما سبق هو ترجمتي الشخصية لكلام الرئيس بوش والترجمة من الانكليزية واليها، هي جزء أساسي من عملي على مدى أربعة عقود. أبدأ بالعراق قبل أن أكمل باسرائيل، طالما أن الرئيس بوش يهتدي بالمثل الاسرائيلي. أولاً، لا نجاح لإدارة بوش في العراق فإدارته فشلت وقضي الأمر، وربنا وحده يحيي العظام وهي رميم. وثانياً، فصدام حسين كان مجرماً وجاهلاً، وارتكب جنايات فظيعة، الا أن العراق لم يعرف في أيامه تفجير السيارات، فالاحتلال هو الذي جاء بهذا النوع من الارهاب، وجورج بوش مسؤول بالتالي عنه مثل أصحابه أو أكثر. أقول إن صدام حسين قتل من العراقيين ومن الجيران ما استطاع في ثلاثة عقود، واليوم يقوم بمهمة القتل الرئيس الأميركي أو الاحتلال الذي أطلقه، ويجب أن نعترف بأن الاحتلال أنجح من نظام صدام في قتل الناس. كيف المخرج؟ أن يصبح العراق اسرائيل أخرى، كما يقول الرئيس الأنيس. اسرائيل ليست ديموقراطية، فهي حتماً ديموقراطية لبعض أهلها، أي اليهود من المواطنين، الا أنها نظام"ابارتهايد"من نوع سقط في جنوب افريقيا، والذين يوجهون تهمة"الابارتهايد"لإسرائيل ليسوا أنا، وإنما دعاة سلام وحقوق انسان من الغرب، بعضهم يهود يرفضون أن ترتكب اسرائيل جرائم باسمهم. إذا كانت اسرائيل شيئاً غير الابارتهايد، فهو انها دولة ارهابية، وأعرف أن جورج بوش الابن بطيء، ولكن سأحاول أن أعطيه أرقاماً محدودة واضحة تحسم موضوع الارهاب، فمنذ 29/9/2000، أي بدء الانتفاضة الثانية وحتى 30/6/2007 قتلت قوات الأمن الاسرائيلية 843 قاصراً فلسطينياً، أي دون الخامسة عشرة، مقابل 119 قاصراً اسرائيلياً قتلهم الفلسطينيون. وهكذا وبحسب أرقام واضحة غير متنازع عليها، من جماعة بتسلم الاسرائيلية لحقوق الانسان، فاسرائيل سبع مرات أكثر ارهاباً من جميع الفصائل الفلسطينية مجتمعة، وعندما يتحدث الرئيس بوش عن الارهاب فعليه أن يتذكر حجم الارهاب المؤسساتي الاسرائيلي ضد الصغار، قبل أن يتحدث عن أي ارهاب آخر. وشيء آخر يجب أن يعيه الرئيس الأميركي الغائب عن الوعي هو أن اسرائيل ليست دولة حقيقية، فهي لا تستطيع الوقوف على قدميها وحدها، وما أنجزت حتى الآن هو سرقه دافعي الضرائب الأميركيين، فقد حصلت حتى الآن على حوالى 200 بليون دولار من المساعدات الأميركية، أو ربع كل المساعدات الأميركية للعالم الخارجي وحصلت على أكثر منها من التبرعات المعفاة من الضرائب وضمانات القروض وغيرها ولو تركت اسرائيل وحدها لأفلست وبيعت في المزاد. أقول إن نجاح اسرائيل المزعوم هو سرقة من الولاياتالمتحدة، والسارق هو اللوبي اليهودي ايباك وجماعات الضغط التي تقدم مصلحة اسرائيل على مصالح أميركا نفسها، حتى أصبحت الولاياتالمتحدة أكثر بلد مكروه في العالم الى درجة أن الأوروبيين يعتبرونها خطراً أكبر على السلام من ايران أو كوريا الشمالية. اسرائيل دولة عسكرية توسعية ارهابية معتدية، والولاياتالمتحدة تحميها الى درجة المشاركة في الجريمة كما حدث في الصيف الماضي، ففي حين تضغط ادارة بوش وكل ادارة قبلها، لاصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي تعاقب هذا البلد أو ذاك، فإن الادارات الأميركية نفسها استخدمت الفيتو أكثر من 30 مرة لحماية اسرائيل من الادانة بعد ارتكابها جرائم. إذا كان جورج بوش يحب اسرائيل فهو حرّ أن يتزوجها، شرط أن يترك العراق لأهله ولنا.