وقع المجتمع السعودي في حيرة، لم يشهد لها تباينات حادة مماثلة من قبل، عندما بدأت"الحياة"في نشر قصة الفتاة الباكستانية"زري". وجاءت ردود أفعال القراء، ما بين مستنكر للجرم، ومجرم للفعل، وبين متعاطف مع المُعتدى عليها، ورافض لفكرة النشر من أصلها، معللاً ذلك بأنه صورة من الترويج للفاحشة. في المقابل، يشهد الواقع أن إخراج تلك الفتاة من أزمتها، كان رهناً بنشر القصة من خلال الصحيفة، والاستعانة بجمعية حقوق الإنسان داخل البلاد، ووصولها إلى المسؤولين في السلطة القضائية ومن ثم التنفيذية. كل ذلك صب في مصلحة"فتاة غامضة"وجدت قلوباً حانية، احتوتها سريعاً، وأعادتها إلى وضعها السوي الطبيعي، علماً بأن القضية لا تزال تحتفظ ب"غموضها"، ولا أحد يعلم أين الحقيقة. وتظل الأسئلة تردد في فضاء المجتمع:"هل الفتاة صادقة أم والدها؟ وهل فعلاً الفتاة ليست ابنته؟ وما علاقة الشاب كاشف بالقصة؟". ويبقى الجميع ينتظر الحقيقة التي ستعلنها الدوائر الشرعية، بعدما أوشكت القصة على النهاية. في خضم تفاصيل هذه القضية الساخنة، كشفت رئيسة الدراسات ومركز المعلومات في جمعية حقوق الإنسان السعودية الدكتورة سهيلة زين العابدين، ورود 20 حالة اغتصاب من المحارم إلى جمعية حقوق الإنسان. وقالت إن ثلاث فتيات سردن قصصاً واقعية للتحرش والاغتصاب:"ف ناجية روت تحرش شقيقها بها، وهي طفلة عاجزة عن التصرف. وذكرت نادية ابنة ال 20 قصة التحرش بها، وهي في الخامسة من عمرها من أحد الأشخاص، بينما سردت طالبة جامعية قصة تحرش عمها بها ومحاولتها الانتحار". وطالبت بتطبيق عقوبات رادعة، والتعزير للآباء والإخوة والأزواج المغتصبين والمتحرشين ببناتهم أو أخواتهم، وأكدت ضرورة إيجاد لوائح تنفيذية صريحة لقضايا التحرش ووطء المحارم، وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية، لافتة إلى أن غياب تطبيق العقوبات أحياناً، يعود إلى افتقاد تقنيين التعزيرات والعقوبات، في الوقت الذي يحابى فيه الرجل لدرجة عدم تطبيق الحد. وأشارت الدكتورة زين العابدين إلى أن التحرش الجنسي ووطء المحارم من أقسى أنواع العنف، وأنه كارثة وإحدى جرائم الشرف والعرض، واصفة مجتمعنا بالمجتمع السري. ولفتت إلى أن الرقم الذي سجلته الجمعية"20 حالة"لا يزال يصنفها أنها فردية ولا تشكل ظاهرة حتى الآن، لكنها في تزايد، فضلاً عن الكثير من القضايا التي لم ترد إليها، إذ لم يتم التقدم بشكوى ضد آباء أو إخوة يتحرشون ببناتهم أو أخواتهم خوفاً من الفضيحة أو بسبب الشعور بالجراح. في المقابل، أرجع الاختصاصي الاجتماعي حمدان الغامدي، وطء المحارم إلى أمرين، أحدهما يتمثل في ما يسيطر على مرتكبه من شعور يصل حد الاعتقاد بأن محارمه ملك له، ومن حقه أن يفعل بهم ما يشاء، فيما يبقى الآخر متعلقاً بصراع دفين يعيشه الممارس داخل الأسرة، وينتج منه رغبة في تعويض تلك الأحاسيس وتلك الرغبات الجنسية مع محارمه. وترى التربوية الدكتورة هديل قزاز، أن الاعتداءات الجنسية داخل العائلة هي الأصعب، لأن"السترة واللملمة والطبطبة"من الحلول المعمول بها على المستوى العائلي.