تظل مشكلة العنف الأسري من أهم المشاكل الاجتماعية التي تواجه كافة المجتمعات في ظل تنامي الجريمة وتصاعد عدد الجرائم وخاصة الأسرية، والتي أصبحت مادة دسمة للإعلام. من هنا تظهر اهمية وسائل مساعدة استباقية تحد من وقوع الجرائم، ومواجهة أسبابها والوصول للنتائج الأمنية المتوخاة، وتوظيف أكبر قدر ممكن من طاقات المجتمع لأعمال الشرطة وتحفيز المواطن لمواجهة الجريمة قبل وقوعها، وهو ما دفع البعض للدعوة إلى وجود ما يسمى بالشرطة الأسرية التي تختص بالقضايا الاجتماعية وما قد يرافقها من عنف أو جرائم. حالات خافية تقول رئيسة اللجنة النسائية بجمعية حقوق الإنسان الجوهرة العنقري أثناء محاضرة ألقتها في “ملتقى الأزمات الأسرية” والذي أقامته وكالة خدمة المجتمع بجامعة الملك عبدالعزيز إلى أن هناك الكثير من الحالات الخافية التي لم يتم الإبلاغ عنها ولم تصل إلى الجمعية، موضحة أن الجمعية تستقبل أكثر من 40% قضايا أسرية من جملة القضايا، فيما تستقبل 20% قضايا تحرش وزنا محارم من بين أكثر من 300 قضية أسرية تأتي من كافة مدن منطقة مكةالمكرمة، وتتضمن قضايا الطلاق التعسفي وتعليق المرأة وخطف الأبناء وقضايا النفقة والضرب والتعذيب الجسدي. وشددت العنقري أثناء المحاضرة التي ألقتها على إعادة النظر في الإجراءات المطبقة حاليا من قبل الجهات المختصة وخصوصًا الشرطة والمحاكم في حالات الإبلاغ والشكوى من الأمهات أو الفتيات، وأن تأخذ تلك الجهات الأمور بجدية وعدم الاكتفاء بتعهدات من المعتدي، ووضع قانون وعقوبات رادعة تشمل حد القتل والقصاص وعدم الاكتفاء بالتعزيرات فقط، كما أوصت بإيجاد شرطة أسرية مختصة في حماية الأسرة من قضايا العنف، لأن مراكز الشرطة الحالية غير ملمة بالتعامل مع تلك القضايا، لاسيما مع تأخر البت فيها. وأفادت الدكتورة سلمى سيبيه المستشارة الأسرية بأن لديها إجراءات وتوصيات اقترحتها في رسالتها للدكتوراه والتي كانت من جامعة كولمبوس في المعالجة الأسرية والزوجية، حيث كان عنوان الرسالة: “العنف الأسري ضد الأطفال في الأسر السعودية”، وقد سلمتها رسميا لحقوق الإنسان ومجلس الشورى. حث طالبت في الدراسة بالعمل على إصدار تشريعات تنص على عقوبات مشددة توقع على من يمارسون العنف على أفراد أسرهم، وذلك لردع كل من تسول له نفسه ممارسة هذا العنف. كما طالبت بإنشاء محاكم وأقسام معينة والتي نادى البعض بها تحت مسمى “الشرطة الأسرية”، بحيث تكون مختصة للأسرة لسرعة البت في قضايا العنف الأسري، على أن تلحق بها مكاتب مختصة لتسوية المنازعات الأسرية وضرورة أن تضم أقسام الشرطة عددًا من الأخصائيين الاجتماعيين من الذكور والإناث، وكذلك تدريب كوادر من أفراد الشرطة لاستقبال حالات العنف الأسري والتعامل معها بأسلوب مهني مختص بعيدًا عن الأساليب الأمنية التقليدية. وتوضح الدكتورة سيبيه أنه على وزارة الداخلية تحديد مفاهيم العنف الأسرى ضد الأطفال وتحديد عقوبات لذلك، منها سحب الأطفال رسميا من الأسر التي اشتهرت باستخدام العنف ضد الطفل وإيداعه في مؤسسات آمنة. وكشفت ان هناك دراسة تشير الى أن 285 سيدة سعودية من أصل300 شملتهن الدراسة يعانين عنف أزواجهن، أي ما يعادل 92,5% من إجمالي عينة الدراسة، وأفادت الدكتورة سلمى سيبيه أن هناك إحصائية لما يزيد على 570 حالة عنف أسري ضد الأطفال والنساء في المملكة. وقالت إن النسبة الواردة قليلة مقارنة بعدد سكان المملكة. وطالبت الدكتورة سهيلة زين العابدين عضو جمعية حقوق الانسان بتطبيق عقوبات رادعة والتعزير على الإباء والإخوة والأزواج المغتصبين والمتحرشين ببناتهم أو أخواتهم، وأكدت على إيجاد لوائح تنفيذية صريحة لقضايا التحرش وزنا المحارم وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية، لافتة إلى أن غياب تطبيق العقوبات أحيانا يعود إلى الافتقاد لتقنين التعزيرات وتطبيق العقوبات الشرعية، لهذا لابد من إيجاد جهة معنية تستقبل شكاوي العنف وتتفهم نوعية القضايا واخذ الإجراءات اللازمة تجاهها. ويقول الدكتور خالد الحليبي أستاذ مساعد في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء انه من خلال عملي في مركزي التنمية الأسرية في الدمام والإحساء ورئاستي للجنة إصلاح ذات البين في المحافظة، ظهر لي الأهمية القصوى لوجود شرطة، بل ومحكمة أسرية، لأن كثيرا من الحالات التي تحتاج إلى تدخل أمني سريع لا تستطيع الجهات الإرشادية أن تصنع لها شيئا، بل تظل عالقة لمدة طويلة بسبب تداخل موضوعها مع جهات كثيرة، وهو ما يجعلها تتعقد وتكبر لعدم حسمها بسرعة. وأضاف: أن القضايا الأسرية يجب أن تبقى بعيدا عن القضايا الأخرى، ولا سيما الجرائم العامة، ولها خصوصية السرية التامة حتى تحفظ أسرار الناس. وتمنى الدكتور الحليبي أن تعجل الجهات المختصة بهذا الشأن للحد من العنف. ومن جهته رحب مدير عام الشؤون الاجتماعية سابقا بمنطقة مكةالمكرمة الدكتور علي الحناكي بفكرة وجود شرطة مختصة بقضايا العنف الأسري وأن يكون القائمين عليها من المختصين والمدربين للتعامل مع نوعية هذه القضايا، كذلك أضاف أنه ربما تكون حلًا لعدد من المشاكل التي يراها العديد من أقسام الشرط لدينا. وبيَّن أن الجهات ذات العلاقة تتعامل مع المعلومات فور تلقيها وفق ما تقتضيه المصلحة، لافتًا إلى إيقاع عقوبة القتل على والد وخالة الطفلة التي قُتلت من قبلهما كدليل على ذلك، منوهًا أن بعض فئات المجتمع تحتاج إلى التوعية في كيفية التعامل فيما بينهم، وتوجيه أولياء الأمور بأن الولاية لمن هم تحت ولايتهم ولاية مصلحية.