كلهم يضربون المثل بالخنساء، ويعتبرونها الشاعرة الوحيدة التي طلعت عليها الشمس في أرض العرب منذ أن كانوا. حتى أولئك الذين لا يعرفون شيئاً عن الخنساء ولم يقرأوا شعرها في حياتهم ولا يحفظون لها بيتاً واحداً. لكنهم يؤثرونها لاعتقادهم أنها تتبنى وجهة نظر رجولية، فهم لا يعرفون الخنساء الصبية ولا يريدون معرفتها، بل يُريدون الخنساء التي تبكي شقيقها وأولادها مع أن الخنساء في صباها قيل فيها الكثير من شعر التشبيب! من الذين قالوا فيها الشعر الفارس المشهور دُريد بن الصُمة الذي كان من أشد المتحمسين لها. لكنه عاد وهجاها عندما خطبها ورفضت خطبته. الرأي يتغير عند انعدام المصلحة! وعندما قيل لها اهجيه كما هجاك قالت: لا. لقد اعتديت عليه برفضي له فاعتدى عليّ. وقد قرأت شعر الخنساء وليس لها إلا ثلاث قصائد جيدة واسمها وشهرتها أكبر من شعرها بكثير... وكثير مما قالت يفتقد القيمة الجمالية. من الغريب حقاً أن الرافضين لكتابة المرأة للشعر من معجبي الخنساء من باب مع الخيل يا شقرا يتعامون عن حقيقة كونها امرأة جريئة تفد إلى المجالس وترتاد سوق عكاظ تجادل الشعراء والنقاد. وقد وفدت على الرسول ص وقال لها قوله المشهور: أنشدينا يا خُناس. ولم يقل صوتك عورة، اذهبي وراءك يا امرأة. وهي ابنة سيد من سادات سُليم وأُخت فارسين من فرسان العرب صخر ومعاوية، ولم يروا في شاعريتها وجرأتها في الأدب انتقاصاً لكرامتهم ومروءتهم. وحول قضية المرأة والشعر أذكر أنني قرأت للشيخ الدكتور عايض القرني لقاء في مجلة شعبية قال فيه: المرأة العفيفة لا تنشر شعرها، وهذا لعمري رأي لا علاقة لها بالشريعة بقدر ما له علاقة ببعض العادات والتقاليد. ولا علاقة له بالعلم والفقه وبكون التحريم والتحليل لا يخضع لنوع الإنسان ذكراً أو أنثى. فمن قال ان نشر الذكر لشعره بكل ما فيه من تجاوزات حسية حلال أو لا تثريب عليه بينما المرأة تُعامل بمنطق العيب. مع ملاحظة أنه ومنذ القدم كان ترمومتر العادات والتقاليد ينخفض في مكان ويرتفع في آخر ويختلف من مكان إلى آخر، ويختلف من بيت إلى بيت في داخل المكان الواحد، بل ويختلف من رجل إلى آخر في نفس البيت أو الأسرة تبعاً لنوعية النفسية ومستوى العقل والذكاء. وقد كانت سكينة بنت الحسين بن علي رضي الله عنها من آل البيت صاحبة مجلس أدب، يفد إليه أهل العلم والشعر عودوا إلى مجلدات العقد الفريد وكانت سكينة تهب الجوائز للشعراء على أبيات يجيزونها. وقد استقبل الصحابة والتابعون الشاعرات مثل ليلى الأخيلية ووفودها على معاوية والحجاج بن يوسف والخنساء وغيرهما، بل إن معاوية بن أبي سفيان على سياسته وقيادته وبأسه تزوج الشاعرة ميسون البحدلية. والدارس للتاريخ العربي بشكل جيد يلحظ تصاعد لهجة التشدد في كل شيء ضد المرأة. ويلحظ تزايد المحرمات الاجتماعية التي تلبس عباءة الشرع، وتضع لحيته في مواجهة فكر المرأة وأدبها، وكأنها أشد خطراً من غواني القنوات الفضائية، كأنهم لا يدركون أن غياب المرأة الرمز والمثل والقدوة أديبة ومفكرة يترك فراغاً هائلاً في وجدان النساء والفتيات لا تملأه إلا الراقصات. لاحظت اتجاه الشيخ عايض القرني إلى الشعر النبطي حتى أنه صار نجماً على أغلفة المجلات الشعبية. غير أنني لم ألحظ في شعر الدكتور بلاغة تُذكر أو شاعرية تتميز. بل أن كثيراً من شاعرات الساحة الشعبية أكثر شاعرية من عايض القرني في النبطي. هل يصبح الشيخ مُفتي الساحة الشعبية... من يدري؟! تلويحة: إنني قومية منذ ولدت منذ أجدادي الأوائل منذ كانوا