وافقتْ كتابة هذا المقال فترة إقامة معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي نظمته وزارة التعليم العالي، وافتتحه نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، نائب أمير منطقة الرياض الأمير سطام بن عبدالعزيز، يوم الأربعاء 23- 1-1427ه، في إشارة واضحة إلى العناية والاهتمام بقيمة الكتاب، المفقودة في عصر كثرت فيه المشتتات، واختلطت فيه الضروريات بالكماليات. ويبقى الكتاب المطبوع أحد مصادر التعلم لدى البشر، على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم، ومنارة عليا، وشمعة لا تخبو، مهما تعددت وسائل تلقي المعلومة، خصوصاً في زماننا هذا، الذي يمتاز بالتفجر المعلوماتي، فتعددت موارد الحصول على المعلومة، بعيداً من الكتاب المطبوع، ما أعطى إنسان هذا العصر فكرة مغلوطة، وهي أنه يستطيع أن يتعلم من دون كتاب، فاكتظت مجالسنا بالطائفة المتعولمة أو المتعالمة، فلا تكاد تسمع إلا سطحية المعرفة أو رذاذة المعلومة. وقد أبدع الأدباء والشعراء في وصف الكتاب وبيان منزلته من الإنسان وعلاقته بالأشياء من حوله، نثراً وشعراً، فهذا الجاحظ أبو الأدباء في كتابه"المحاسن والأضداد"يقول:"الكتاب نعم الجليس والعمدة، ونعم الأنيس ساعة الوَحْدة...". أما أبو الطيب المتنبي، سيد الشعراء، فيقول: "وَخَيْرُ جَليسٍ في الزمانِ كتابُ"، ومن هذين النصين نعرف أن الكتاب أفضل ما يصحب الإنسان في حياته، وأنه نعم الجليس في ساعة الخلوة والفراغ. ولكن السؤال الذي يجب طرحه هنا هو: كيف نجعل الكتاب المطبوع صديقاً وجليساً لأبنائنا، بديلاً عن أصدقاء السوء ومجهولي الهُوية والفكر، الذين يصطحبونه إلى حيث لا يعلم ونكره؟ إن الغالبية من شبابنا إلا ما ندر، حصيلتهم الثقافية والمعرفية هي ما تعلمه في المدرسة، وما صحب ذلك من ثقافات مهزوزة ومعلومات مبتورة، استقاها مما بين يديه من وسائل الاتصال الحديثة من فضائيات وإنترنت، وموروثه الاجتماعي الضيق. ومن المعلوم أن كل ذلك يؤسس معرفة ولا يؤصل معلومة لدى أي جيل، حتى المناهج الدراسية ليست هي نهاية المعرفة، وإن أعفت المرء من حرج الجهل والملامة، وإنما تبقى مفاتيح لأبواب مغلقة، توصل إلى عالم المعرفة الواثقة، مما هو على أرفف المكتبات، حيث عقول العالَم كلها حاضرة في أي وقت نشاء وفي مكان واحد. ومن أجل أن نجعل الكتاب أهم صديق لأبنائنا مع كثرة أصدقائه الذين يتجاذبون وقته وفكره، في عصر تعددت وتباينت فيه نواحي التلقي واستقاء المعرفة، يلزم تأصيل هذا المفهوم في ذهن أبنائنا منذ الطفولة الأولى، في المنهج والأسرة والمؤسسات الثقافية، ومن دون ذلك لا يمكننا الإفادة من أي خطوة نحو تحقيق أي هدف في هذا الجانب. ولأجل تأصيل هذا المفهوم المهم، علينا إنشاء المكتبات العامة في الأحياء السكنية، وربط الطالب بها من خلال المنهج والزيارات المدرسية المتكررة، أثناء وقت الدراسة وبعده. ومما يساعد في الربط المفيد إقرار مادة البحث في كل مراحل التعليم العام، ابتداءً من الصفوف العليا في المرحلة الابتدائية، حتى الثانوية العامة، وإلزام الطالب بكتابة البحث بنفسه، من دون الاتكاء على عقل مستأجر يكتب له، كما هو منتشر ومشتهر في مكاتب استنزاف الجيوب والعقول، فيشرف أمناء المكتبات على مراحل البحث وكتابته، ويتم تصديقه بختم المكتبة. ومن الأمور كذلك توعية الأسر بأهمية المكتبة المنزلية، وإعانة الأسر الفقيرة على تأسيس مكتبة من خلال الجمعيات الخيرية المنتشرة في كل حي من بلادنا. وللقطاع الخاص دور ريادي لو فُعِّل في نشر المعرفة، خصوصاً الجانب التجاري منه، وذلك بتقديم الكتاب ضمن المشتريات كهدايا، ليكون عامل جذب للمتسوق. ولا ننسى المناسبات الرياضية والمهرجانات الوطنية وأهمية إقامة المعارض السنوية للكتاب في جميع مناطق التعليم وإداراته، وتفعيل دور المكتبة المدرسية، وذلك من خلال المسابقات والتلخيصات، وتخصيص حصة رسمية ضمن الجدول الدراسي لكل صف، ومتابعة تطبيق ذلك من خلال مشرفي المكتبات المدرسية. ونستطيع أن نفعّل دور الكتاب من خلال الجانب السياحي، فيتم نشر الكتيبات وتوزيعها من الجهات القائمة على أمور السياحة، أو الشركات الراعية للمهرجانات السياحية. وفي ختام هذه السطور أقول:"العلب الفارغة تقذفها الريح والأرجل"، فما بالكم بالعقول؟ ويقول الشاعر: هل العلمُ في الإسلامِ إلا فريضةٌ وهل أمةٌ سادتْ بغيرِ التعلمِ عبيد الدوسري - الرياض [email protected]