احتفت باكستان أمس بقدوم الملك عبدالله بن عبد العزيز رسمياً وشعبياً، إذ تقدم الرئيس الباكستاني ورئيس الوزراء شوكت عزيز مواطنيهما، لاستقبال خادم الحرمين في مطار العاصمة الدولي، فيما اصطف الآلاف على الطرقات الرئيسة ملوحين بالتحية، ورافعين أعلام البلدين أسفل صور من الحجم الكبير غصت بها الطرقات والميادين. وأجريت لخادم الحرمين الشريفين مراسم استقبال رسمية، وعزف السلامان الملكي السعودي والجمهوري الباكستاني. ثم غادر الملك عبدالله والرئيس الباكستاني المطار، متوجهين إلى مقر إقامة الملك في قصر بنجاب، في موكب رسمي. واصطف الباكستانيون على جنبات الطريق وهم يلوحون بالأعلام السعودية والباكستانية، حاملين صور خادم الحرمين الشريفين ويرددون الأهازيج الشعبية، فيما ازدانت الشوارع والمباني بالإضاءة وبعبارات الترحيب وصور خادم الحرمين الشريفين، ترحيباً بمقدمه الكريم. وعند وصول الملك عبدالله لمقر إقامته ودعه الرئيس الباكستاني، متمنياً له طيب الإقامة في باكستان. وكان خادم الحرمين غادر ماليزيا أمس، بعد ختام زيارته لها ضمن جولته على أربعة بلدان آسيوية، هي الصينوالهندوماليزيا وأخيراً باكستان. وأعلن المسؤولون الباكستانيون بمختلف مستوياتهم، عن ترحيبهم العميق بالملك عبدالله، وما سينتج من زياره من اتفاقات على كل الأصعدة، لمواصلة تطور العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مؤكدين أنها"بالغة الأهمية"، في وقت تتلاحق فيه بعض المؤشرات الخطرة. وعلى هامش الزيارة، أعلن وزير المال الدكتور إبراهيم العساف، عن صدور توجيه سام بتخصيص مبلغ 150 مليون ريال، من التبرعات الشعبية التي قدمها الشعب السعودي لمساعدة المتضررين من كارثة الزلزال، لتأمين مساكن للمتضررين. وأشار الوزير في تصريح إلى وكالة الأنباء السعودية إلى أن الشعب السعودي ضرب أروع الأمثلة في التكافل والتعاون، عندما تبرع بمبلغ 450 مليون ريال، نقدياً وعينياً، للتخفيف من آثار المحنة التي ألمت بشقيقه الشعب الباكستاني جراء الزلزال. وأوضح أنه نظراً إلى الظروف القاسية التي يعانيها سكان المناطق المتضررة من الزلزال في باكستان، ولحاجتهم الماسة للخدمات الطبية الأساسية، قامت المملكة في أعقاب الزلزال مباشرة، بإنشاء وتشغيل مستشفى ميداني في مدينة منسيرة، يتضمن ثماني عيادات وغرفة عمليات وغرفة عناية مركزة، وبسعة 40 سريراً. بدورها، قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الباكستانية تسنيم أسلم، إن زيارة خادم الحرمين الشريفين تأتي في وقت مهم بالنسبة إلى المنطقة، وتكتسب أهميتها من الوضع الذي تعيشه المنطقة، والمواضيع التي ستتطرق لها المحادثات. وبينت أن زيارة خادم الحرمين الشريفين لباكستان، تعد الخامسة التي يقوم بها لإسلام أباد، مشيرة إلى إن آخر زيارة كانت في شهر تشرين الأول أكتوبر عام 2003، عندما كان ولياً للعهد. وثمّنت المتحدثة وقفة حكومة المملكة العربية السعودية وشعبها مع باكستان، إبان محنة الزلزال العنيف الذي ضرب شمال البلاد قبل خمسة أشهر. ووصفت الوقفة ب"العظيمة". وأضافت:"إن هذا الدعم جاء بناء على توجيهات سامية من خادم الحرمين الشريفين، إذ قامت السلطات السعودية بإنشاء جسر جوي لإغاثة المنكوبين، وإيصال الإمدادات المختلفة للضحايا والمتضررين جراء الكارثة، كما أسهمت المملكة بتقديم 573 مليون دولار من اجل إعادة بناء المناطق المتضررة من الزلزال". وأوضحت أن السعودية تعد اكبر ممول نفطي لباكستان، فقد بلغ التبادل التجاري بين البلدين لعام 2004 - 2005حوالى 2.8 بليون دولار، بينما بلغت الاستثمارات السعودية في باكستان في الفترة نفسها 275 مليون دولار. إلى ذلك تسلم الملك عبدالله من الرئيس مشرف وسام نيشان باكستان المدني خلال حفلة العشاء. كلمة الملك عبدالله ألقى خادم الحرمين الشريفين الكلمة التالية في حفل العشاء التكريمي الذي أقامه أمس الرئيس برويز مشرف. أود أن أشكر فخامتكم على مشاعركم النبيلة تجاه بلدي ونحوي. وأؤكد أنني أبادلكم نفس المشاعر، والشعب السعودي يعتز بعلاقاته التاريخية مع الشعب الباكستاني. كما أود أن أعبر لكم عن خالص الوفاء والحب والتقدير لما وجدناه من حفاوة بالغة عندما وصلنا لبلدكم المضياف. إن العلاقات السعودية - الباكستانية تجاوزت مرحلة التعايش إلى مرحلة العمق والوقوف معاً في السراء والضراء. وما الزيارة التي نقوم بها اليوم إلا تعبيراً رمزياً عن عمق الصلات ومتانتها بين البلدين. وعن الروابط الدينية، إضافة إلى التعاون الاقتصادي والثقافي، الذي نأمل بأن تسهم هذه الزيارة في ترسيخه. اننا ندرك ما تشهده باكستان من تطور علمي وتقني ونتطلع إلى شراكة حقيقية يستفيد منها الشعبان. وأشيد بالدور الذي يقوم به حوالى مليوني باكستاني تستضيفهم المملكة. إن موقف باكستان التاريخي المشرف من قضية فلسطين هو مصدر اعتزاز لكل العرب والمسلمين، ونحن نأمل أن يسهم هذا الموقف في الوصول إلى تسوية عادلة وسلمية، ونحن نحرص على ألا تتعرض منطقتكم لأي مخاطر. قمنا خلال الزيارة إلى الهند بالإعراب عن أملنا في أن تنجح المباحثات بين البلدين في الوصول إلى الحلول المنشودة، ونكرر الأمر أمامكم آملين بالوصول إلى نتيجة معقولة تسهم في استقرار المنطقة وأمنها. كلمة الرئيس مشرف الكلمة التى ألقاها الرئيس الباكستاني في حفل العشاء التكريمي. إن وجود جلالتكم في باكستان لهو مصدر الأفراح للشعب الباكستاني، كما أنه يعطينا فرصة إظهار وترسيخ احترامنا وحبنا العميق لجلالتكم وللمملكة العربية السعودية. يا صاحب الجلالة، ان تكريم المملكة العربية السعودية واحترام الحرمين الشريفين أمر يجري من نفوسنا مجرى الدم، وإنه جزء لا يتجزأ من الشخصية الباكستانية، إن عواطف الإخاء بين البلدين راسخة في محيطنا الوطني وفي قيمنا المشتركة وفي ديننا المشترك. إن صداقتنا دائمة تتعدى البيئة الدولية المتغيرة، وتفوق كل الاعتبارات السياسية. وإننا نقوّم التعاون مع المملكة ونقويه، كمبدأ أساسي لسياستنا الخارجية ونظريتنا العالمية. وإنه مما يبعث الاعتزاز في نفسي أن أقول ان كلا البلدين وقفا إلى جانب بعضهما بعضا دائماً. وكنتم دائماً صديقاً حميماً وشقيقاً مخلصاً لنا، وقد بادرتم دائماً إلى مساعدتنا كلما واجهنا أية مشكلة. ولا يمكن ان ننسى المعونات الفورية السخية منكم حينما أصيبت باكستان بالزلزال في أكتوبر الماضي. يا صاحب الجلالة، إننا نؤمن بان قوتكم هي قوتنا، وأنا متيقن ان هذا الشعور مشترك بيننا. ونحن نشيد بالإسهام الذي قدمته المملكة باستمرار في تنميتنا الاقتصادية خصوصاً بطريق الاستثمار، ونحن سنواصل جهدنا لتطوير التعاون بيننا في كل المجالات. وإن زيارة جلالتكم ستزيد علاقتنا قوة ودفعة إلى الأمام، ونحن سنرفع مستوى اشتراكنا الشامل وتعاوننا الاستراتيجي إلى أعلى الدرجات الممكنة. ونحي نحيي جلالتكم ونشيد بقيادتكم الحكيمة ونظرتكم الثاقبة وإخلاص الوفاء للأمة لديكم. وقد ظهر إخلاصكم لفلاح الأمة في مبادرتكم المهمة إلى عقد مؤتمر قمة استثنائي لمنظمة المؤتمر الإسلامي في شهر ديسمبر الماضي في مكةالمكرمة. ونحن نرجو ان هذا المؤتمر سيلعب دوراً فعالاً في نجاح جهودنا لتقوية التضامن الإسلامي، ولتحويل منظمة المؤتمر الإسلامي إلى منظمة نشيطة وفعالة. إننا نعيش في عهد عصيب مليء بالمفاجآت، وإذا نظرنا حولنا نجد ان كل أزمة عالمية رئيسية مرتبطة بالعالم الإسلامي، ان النزاعات القديمة لفلسطين في الشرق الأوسط ولكشمير في جنوب آسيا ما زالت قائمة. كما ان الأزمة في العراق مستمرة ولا ترى لها نهاية، وكذلك الوضع في أفغانستان لم يستقر بعد، كما توجد إمكانات لأزمات خطيرة أخرى تظهر في الأفق، والنظرات الحاقدة نحو المسلمين ما زالت موجودة ومتزايدة، وان مؤتمر القمة في مكة عالجت هذه القضايا بوضوح ووافقت على تصور موحد جاء بيانه في إعلان مكة. ونحن نؤكد التزامنا المشترك بمكافحة الإرهاب الذي يشكل خطراً رهيباً لجميع الديانات والمجتمعات. فلا يوجد ما يبرر إفساد الأمن والاستقرار، والنهضة والنمو في المجتمع، كما لا يجوز إهلاك النفوس البريئة. وإنه من المؤلم ان نرى أعمالاً إرهابية جنونية على أيدي شرذمة قليلة من الناس الذين ضلوا عن الصراط المستقيم. تشوه ديننا الحنيف. دين السلام والتسامح والرحمة. ونحن بحاجة شديدة أكثر من أي وقت مضى إلى العمل الجاد لإيجاد الوئام بين الديانات والحضارات المختلفة على صعيد العالم، وإلى مواجهة التعصب والعداء ضد الإسلام والمجتمعات الإسلامية. وفي نفس الوقت لابد ان ننظر إلى داخلنا ونقضي على داء التطرف في مجتمعاتنا من خلال التربية والإصلاح. وهناك حاجة ملحة لإبراء جراحات فلسطين وكشمير، فإن هذه الجراحات قد سببت آلاماً وبليات للمسلمين. إن السلام والاستقرار الدائم في فلسطين يدعو إلى حل عادل ومشرف لقضية فلسطين، الذي كان الهدف لعدة جهود ومساع دولية، وان مبادرة جلالتكم في بيروت منذ ثلاث سنين قد حددت المعالم الرئيسة للسلام القائم على العدالة والاعتراف بالحقائق. ولا ينبغي ان نسمح بأي شيء من شأنه الانحراف أو التخلي عن أراضي فلسطين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ولابد ان نحول الوضع السياسي في المنطقة إلى فرصة لتحقيق غاية الدولتين فلسطين وإسرائيل تعيشان جنباً إلى جنب في حدودهما الآمنة. يا صاحب الجلالة، ان الأحداث الفوضوية في العراق ومشكلات شعبه هي مصدر القلق والاضطراب لكل منا. وإنا نولي اهتماماً كبيراً بسيادة العراق وحماية حدوده. وان هناك حاجة إلى مبادرة جديدة للإسهام في العودة المبكرة للعملية السياسية في العراق نحو الوضع الطبيعي. يا صاحب الجلالة، ان منطقتنا المجاورة ظلت مضطربة منذ عدة عقود، بسبب الخلافات في أفغانستان وبسبب قضية كشمير القديمة. إن باكستان تؤيد الرئيس كرزاي وتشترك في الجهود الدولية لبناء أفغانستان. كما أننا نعمل ايضاً لخلق جو السلام في جنوب آسيا، فنحن مشغولون في جهد مخلص لحل قضية كشمير، التي تشكل الخلاف الأساسي وسبب التوتر المستمر بين باكستانوالهند. ونحن نؤمن بأن العلاقات المتحسنة بين البلدين ووجود بيئة عالمية ملائمة توفر فرصة نادرة لمعالجة هذه القضية بطريق مقبول لكل الأطراف وخصوصاً شعب كشمير. ونحن لا نشك في ان زيارتكم الأخيرة للهند ستساعد في عملية السلام. وإننا نشيد بالتزامكم المستمر بحل قضية كشمير، وإنه يدل على تأييدكم الدائم لكل القضايا العادلة كما يشهد بعنايتكم وشفقتكم على أحوال الأمة في الأوقات العصيبة واحوال المكافحين لنيل حقوقهم المشروعة. يا صاحب الجلالة: في أحوال عصرنا المليئة بالأزمات والكوارث نرى ان العلاقات القائمة بين باكستان والسعودية على أسس الصداقة والإخاء، هي نعمة عظيمة من الله تعالى فإن ثقتنا وتفاهمنا وصداقتنا وتعاوننا المشترك ليست مصدراً للقوة والتشجيع لنا فحسب، بل إنها عامل مهم يسهم في سلام هذه المنطقة واستقرارها وازدهارها. ونحن نواصل ان شاء الله جهودنا لخدمة الأمة الإسلامية ولتحقيق مصالحها المشتركة ولتحقيق آمال شعوبنا المشتركة.