ما كان محمد"صلى الله عليه وسلم"بدعاً من الرسل ولكنه خاتم النبيين وإمام المرسلين ورسول للعالمين، أرسله الحق"عز وجل"في وقت كانت الإنسانية في أمس الحاجة إليه وإلى النور الذي جاء به، قال الله تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، لأن الإنسان لا غنى له عن ربه، والإنسانية لا غنى لها عن الدين، والدين لا قوام له من دون الحب والخشية والحرية والعلم، كان الرسول"صلى الله عليه وسلم"يمتلك كل ذلك ويدعو إليه في رسالته الغراء، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، وإنك لعلى خلق عظيم، التي محت بنورها ظلمات الكفر والوثنية والعبودية، وتشعل، وحررت الناس من عبادة العباد والأوثان إلى عبادة رب العباد، وتؤسس وتدعم قواعد الحرية الفكرية أو العقائدية، هذه الحرية التي تتبناها اليوم دول ومؤسسات لم يعلموا عنها إلا في عصرنا الحديث. ورحم الله الشيخ الشعراوي حينما قال:"لن يتقدم المسلمون إلا إذا أطلقوا حرية القول فكراً وبحثاً وتجربة". أيضاً جاءت رسالته تدعو للعلم والتعلم، فكانت أول آية نزلت عليه"صلى الله عليه وسلم"اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، أيضاً أقسم الحق ? عز وجل ? في سورة القلم ن والقلم وما يسطرون، فهذا يدل على أهمية العلم في ديننا الحنيف، وكان لا بد أن يكون المصطفى"صلى الله عليه وسلم"جامعاً لمراد الحق ? عزل وجل، فأظهره الله في صورة الإنسان الجامع الكامل، الذي جسد الأخلاق في ذاته، وترجم القرآن في صفاته، وتحلى بصفات الكمال، ولقد ترجم هذا كله الحق ? عز وجل ? في وإنك لعلى خلق عظيم، فانظر إلى فضل الله كيف أعطى وأدب ثم أثنى! وحتى قالت عائشة ? رضي الله عنها وعن أبيها ? عندما دخل عليها سعد بن هشام سائلاً عن أخلاق رسول الله ? صلى الله عليه وسلم ? فقالت: أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: كان خلقه القرآن، وقال"صلى الله عليه وسلم":"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وقال أيضاً:"الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين". ولقد وصفه الحق ? عز وجل ? في التوراة، قبل أن يبعثه في السطر الأول فقط، محمد رسول الله عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، مولده بمكة، هجرته بطابة، ملكه بالشام، يأتزر على وسطه هو ومن معه، دعا للقرآن والعلم، ويتوضأ على أطرافه، وكذلك نعته في الإنجيل، ومن هنا كان العالم في حاجة إلى من يؤسس دولة الأخلاق في عالم حائر لاهث وراء تحقيق مطامحه بطرق غير أخلاقية وأساليب غير شرعية، تتصارع فيه الدول والمؤسسات والأفراد في ظل"المراهقة التكنولوجية". أقول للمتجرئين عليه في الغرب، انظروا في طفولته، ويتمه ونشأته وشبابه وخلقه وعفافه وشجاعته ومعجزاته، ورسالته، انظروا كيف أسس"صلى الله عليه وسلم"دولة، وجمع شمل قبائل كانت متناحرة وآخى بينهم، كما آخى بين المهاجرين والأنصار، فكانت أفضل مدينة عرفها تاريخ الإنسانية، بل أفضل من أسطورة أفلاطون وحلمه في إنشاء مدينة فاضلة، هذه المدينة التي هزت أقوى دولتين الروم والفرس، وشهد له الأعداء والأصدقاء، ففي زمانه عندما سمع الوليد بن المغيرة بعضاً من آيات القرآن، قال:"إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه"، وفي زماننا وضع"مايكل هارت اليهودي"صاحب كتاب"الخالدون مئة وأعظمهم محمد"اسم رسولنا"صلى الله عليه وسلم"على رأس هؤلاء، لأنه النبي الوحيد الذي أقام دولة وحكمها بالعدل، وكذلك الكاتب الإنكليزي"توماس كارليل"صاحب كتاب"العظماء"، كتب فصلاً رائعاً جداً عن الرسول"صلى الله عليه وسلم"، جعله نموذج البطولة النبوية بين أبطال العالم الذين اختارهم، وكذلك المفكر الإسلامي عباس العقاد في"عبقرية محمد"وهو التحفة الخالدة، إذ قال:"إنه رجل لا يشاركه رجل آخر في صفاته ومقوماته، ولا يدانيه أحد في مناقبه الفضلى، التي هيأته لتلك الرسالة الروحية، نبيل عريق النسب، وليس بالوضيع الخامل فيصغر قدره في أمة الأنساب والأحساب، فقير وليس بالغني المترف فيطغيه بأس النبلاء والأغنياء ويغلق قلبه ما يغلق القلوب جشع القوة واليسار، يتيم بين رحماء وليس هو بالمدلل الذي يقتل فيه التدليل ملكة الجد والإرادة والاستقلال، وليس هو بالمهجور المنبوذ الذي تقتل فيه القسوة روح الأمل وعزة النفس وسليقة الطموح وفضيلة العطف على الآخرين، وليس في سجل المودة الإنسانية أجمل ولا أكرم من حنانه"صلى الله عليه وسلم"حينما بكى على قبر أمه بكاء من لا ينسى، وهو الشيخ الذي قارب الستين، وحينما استقبل مرضعته حليمة السعدية بحفاوة، وقد جاوز الأربعين، فيلقاها هاتفاً بها أمي أمي ويفرش لها رداءه ويعطيها من الإبل والشياه ما يغنيها في السنة الجدباء". إن رسالته، لها جناحان، جناح يدعو إلى العلم، والآخر يدعو إلى الحرية. عماد هدهود ? الرياض