كَسْبُ ود فتاة ذات خلق وجمال، والدخول ضمن أجندة رفيقاتها المقربات، أمر يشغل بال كثير من الفتيات، في ظل غياب الرابطة الأسرية لدى عدد منهن، وحاجتهن إلى الصديقة الوفية، وهو ما جعل اللجوء إلى أعمال السحر، الطريق الأقرب والأسهل لتحقيق هدفهن. ومع انتشار هذا العرف في أوساط الفتيات، بدأ بعضهن يرفض الهدايا التي تقدم من الأقارب والأصدقاء، خشية أن تكون هذه الهدية، بداية لدخولها في شَرَك سحر، نصبته لها أخرى، تبحث عن التقرب منها. ومن يتعمق في مجتمع مثل هؤلاء الفتيات، يخرج بقصص ومشاريع سحرية يلعبن فيها دور البطولة، إما عن سبق إصرار وترصد، أو من دون دراية، فلم تتوقع نوف ابنة الثامن عشر ربيعاً، أنها ستقدم السحر بيديها، إلى زميلتها في المدرسة، بعد محاولاتها اليائسة في التقرب منها، ولكثرة هذه المحاولات، وتذمرها من تجاهل زميلتها"مها"لها، استنجدت بقريبتها أم ريان، لتبحث لها فك شفرة زميلة المدرسة. وتقول نوف ل"الحياة":"ليس لدي أخوات، وبحثت كثيراً عن الصديقة التي تعوضني عن الأخت، فوجدت في مها زميلتي في الصف، الأقرب والأنسب إليّ، لما تمتلكه من أخلاق وطيبة قلب ومظهر حسن". وتضيف:"لم تعرني مها اهتمامها يوماً، وفشلت كل محاولاتي في كسب صداقتها، ما أشعرني بالإحباط والضيق". وبعد أن أطلعت نوف قريبتها أم ريان على مشكلتها، جلبت لها الأخيرة هدية، وطلبت أن تقدمها إلى زميلتها مها، من دون أن تعرف ماهية هذه الهدية، فبدأت مها تتقرب منها، حتى باتت صديقتها المفضلة، ولكن كثرة زياراتها واتصالاتها، جعلت والدَيْ نوف يتذمران منها. وتتابع نوف:"بدأت أفكر في سبب هذا التحول، فأخبرت قريبتي، فردت علي، بأنها وضعت عملاً في تلك الهدية، وبررت لي ذلك بأن الأمور لا تسير إلا بهذه الطريقة". وتقول نوف أنها اتصلت بوالدة مها، وطلبت منها أن تأخذ ابنتها للعلاج، من دون أن تعترف بحقيقة ما حدث، وقطعت اتصالاتها معها"صوتها يشعرني بالموت في اليوم مئة مرة، على رغم أني لم أكن أعلم عن حقيقة هذه الهدية". ريم هي الأخرى، كانت تعيش حياة هادئة، حتى بدأت تشعر بأن حياتها اليومية لم تعد طبيعية،"لم أتصور أنني سأتغير يوماً، بغير إرادتي، ولكن العطر الذي أهدتني إياه صديقتي كان كفيلاً بهذا التغير". ولأن الهدية جاءت من أعز صديقاتها، حرصت ريم 17 عاماً على ألا يستخدم العطر الهدية أحد غيرها، وجعلته لا يفارق حقيبة يدها أبداً. واصطحبها والدها إلى طبيب نفسي، وصف لها مسكنات طبية، لم يلبث التحسن الذي أحدثتها على صحتها كثيراً. وضاقت الحال بوالدها الذي أخذ بنصيحة جاره، وذهب بابنته إلى أحد الرقاة الشرعيين، وتقول ريم:"قاربت العام حالياً، وأنا أتابع جلسات العلاج بالقرآن عند أحد المشايخ، وحالتي تتحسن تدريجياً". وتستنكر منى محمد 24 عاماً تفكير بعض الفتيات، بجعلهن السحر سبباً دائماً لتخوفهن من فعل بعض الأمور، وتقول:"نحن الفتيات نعاني من أحلام مجهضة، وغياب للأهداف الواضحة، وكثرة أزماتنا العاطفية، ونعيش في ظل ثقافة مجتمع يرى أن استشارة الطبيب النفسي عيب لا بد من ستره". وتضيف:"كل تعب أو اكتئاب أو فشل في دارسة أو عمل أو زواج أو حتى صداقة تنسب لسحر أو عين أو مس". وترى أن مخاوف الفتيات ازدادت تجاه السحر والعين، لكثرة ما يسمعن من حكايات في هذا الشأن"أتعجب كيف أن بعض الفتيات يخفي أفراحهن خشية العين والسحر". وعن وجهة النظر الشرعية في هذا الأمر، يقول أحمد السبيعي أحد الرقاة الشرعيين ل"الحياة":"انتشار أعمال السحر بين بعض الفتيات، يرجع إلى ضعف الإيمان وقلة الوعي بأمور الدين، ولكثرة الطرق التي يقدم بها من ورود وحلوى وعطور، خصوصاً في مجتمع النساء، فإنه يصعب معرفة إذا ما كانت الهدية سحراً أو خلافه". وشدد السبيعي على ضرورة مراقبة الوالدين للتغيرات التي تطرأ على تصرفات الأبناء، حتى يمكن متابعة خلفيات التغير مبكراً. من جهته، يؤكد استشاري الطب النفسي الدكتور طارق الحبيب على عدم تصديق كل ما يروى من قصص وحكايات عن السحر،"تناقل هذه القصص بين الناس الذين لا يُلِمّون بالعلم، وتنقصهم رجاحة العقل، وتصديقها، يدخلهم في تبعات هذا الأمر". ويشير إلى أن شفاء المرضى عند قراءة القرآن والأذكار، لا يعني بالضرورة أن الشخص كان مسحوراً، قائلاً:"القرآن شفاء لكل داء إذا شاء الله".