اعتبرت الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية في السعودية، قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بالعفو عن خمسة ناشطين سعوديين صدرت بحقهم أحكام بالسجن، وهم: الدكتور عبدالله الحامد والدكتور متروك الفالح وعلي الدميني والدكتور سعيد بن زعير وعبدالرحمن اللاحم، والعفو عن ليبيين اتهما بالتآمر لقتله،"بادرة نحو جمع كلمة الأمة العربية وتوحيد صفها". ووصفت هذه الأوساط في تصريحات إلى"الحياة"أمس، هذا القرار بأنه بداية حقبة جديدة، ستظهر فيها بصمات وحكمة الملك عبدالله، إذ رأوا أن عفوه عن المتورطين في محاولة الاغتيال يكشف حجم العرب في وجدانه، وهاجس العزة والكرامة للأمة الذي ظل ولا يزال يعني له الكثير. ويرى المحامي عبدالعزيز القاسم أن قرار العفو خطوة مباركة وكريمة،"وبالذات في ما يتعلق بإطلاق الإصلاحيين، ما يوضح توجه العهد الجديد نحو الإصلاح". وأشار إلى أن القرار سيترك أثراً عميقاً في توجهات الإصلاح والوحدة الوطنية والمحبة بين أهل المملكة. وقال عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله الطويرقي:"بعد أول خطاب يوجهه إلى الأمة عشية توليه الحكم، فاجأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الجميع بالالتفات إلى ملف ناشطين وموقوفين سعوديين وعرباً على خلفيات تمس الشأن السياسي الداخلي في وقت سابق، وإصداره أمر عفو بحقهم، في وقت كان الجميع في الداخل والخارج ينتظر برنامج الحكومة السياسي بعد أول انعقاد لها برئاسة الملك عبدالله". وأضاف:"يبدو أن الملك عبدالله آثر الإعلان عن برنامجه لإدارة الدولة بالأولويات الإنسانية التي كثيراً ما كانت هاجسه في التعاطي مع الشأن المحلي العام، إذ خرجت الحكومة بعد أول جلسة لها في العهد الجديد، بقرارات تصفية - إن جاز القول - للمعلق من القضايا والهموم التي ظلت شأناً محلياً مقلقاً للدولة وللرأي العام المحلي والعربي". ورأى الطويرقي أن الملك عبدالله أراد أن يعطي بعداً مؤسسياً لهذا الشأن بحيث يمثّل توجهاً تصالحياً يطوي صفحة الأمس، ويتوجه بتفاؤل وثقة لإشاعة منطق الحوار والمشورة، التي شدّد عليها في خطابه للأمة عشية توليه الحكم. وأشار إلى أن الحكومة صدّرت موقفاً سياسياً غاية في الأهمية في ما يتعلّق بالسياسات العامة للدولة في المرحلة الراهنة،"إذ إن الموقف السياسي للدولة لا يعكس فقط النهج التصالحي الذي اعتادته هذه البلاد في علاقة ولاة الأمر بالمواطن والوطن منذ التأسيس، بإغلاق ملفات هؤلاء الناشطين والموقوفين، وإنما التهيئة الفعلية لمناخ مرحلة سمتها الشراكة، وعنوانها الشفافية، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة في علاقة السلطة بالنخب الوطنية، وبمختلف أطياف الشارع السعودي". وأكد الطويرقي أن الخط العريض في توجهات الحكومة المقبلة لن يخرج عن قناعات الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي عرف بها خلال السنوات الخمس الماضية، داخلياً وإقليمياً ودولياً، ألا وهو خط الواقعية الاجتماعية في التعاطي مع المناخ الداخلي، والواقعية الظرفية للنظام السياسي العربي، التي جسّدها في مبادرة بيروت العربية 2002، إضافة إلى واقعية الشراكة المصالحية التي تجاوزت بالسعوديين أزمة 11 سبتمبر مع أميركا. وقال:"إن الملك عبدالله اثبت فعلياً أن العروبة الحقيقية ليست مجرّد شعارات، وإنما أفعال صادقة لا تعرف المراهقة الخطابية ولا المزايدات على وعي الأمة"، مشيراً إلى أن عفوه عن المتورطين في محاولة الاغتيال يوضح حجم العرب في وجدانه، وهاجس العزة والكرامة للأمة الذي ظل ولا يزال يعني له الكثير. ووصف رئيس فريق المحامين للدفاع عن المعتقلين السعوديين في غوانتانامو أحمد مظهر، قرار الملك عبدالله القاضي بالعفو عن خمسة نشطاء سعوديين، وليبيين تآمرا لقتله، بأنه"يد بيضاء تقدم عند المقدرة، وهي محل العرفان لدى الجميع". وأشار إلى خطاب العهد الذي أكد فيه خادم الحرمين الشريفين منهجيته، واعداً بأن يكون شغله الشاغل الحق والعدل وتكليفه المواطنين جميعاً بالنصح، لافتاً إلى أن هذا العهد مسؤولية مشتركة للولاء للدين والوطن وولاة الأمر. وطالب مظهر بأن تكون النصيحة المطلوبة وفقاً لقيم الدين ومبادئه وأخلاقه، وتقديمها بالأسلوب الذي يتناسب مع العلاقة بين الناصح والمنصوح، مشيراً إلى أن خير النصيحة ما يقدم للمصلحة العامة، وألاّ ترد بما يخرجها عن نطاقها بأسلوب فيه نوع من الجرح أو الإيذاء. وعبر رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية الدكتور بندر محمد الحجار، عن بالغ شكره وتقديره، باسمه شخصياً ونيابة عن أعضاء الجمعية وجميع الموقوفين المفرج عنهم، لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمناسبة صدور أمره الكريم بالإفراج عن السعوديين الخمسة الموقوفين، الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية بالسجن لمدد تتراوح ما بين ثلاث وتسع سنوات، كما شمل أمره الكريم أيضاً العفو عن الليبيين اللذين شاركا في التخطيط لاغتياله. وأكد أن هذا العفو الكريم يؤكد مدى تسامح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وحرصه الدائم على كل ما فيه الخير والصلاح والنفع والفائدة لوطنه ومواطنيه وأمته، وهذا ما عبر ويعبر عنه دائماً من المواقف الإنسانية العظيمة،"وما هذا العفو الملكي الكريم الذي أصدره إلا جزء من مواقفه النبيلة تجاه شعبه وأمته". وأشار إلى أن الجمعية كانت تتابع باستمرار حالات السعوديين الخمسة المفرج عنهم، وشاركت بالحضور أثناء جلسات محاكمتهم، كما هي جميع الحالات التي تقع في إطار اهتمام ومتابعة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، ومنها حالات السجناء في مختلف المناطق السعودية. وأوضح الحجار أن أعضاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية سيقومون خلال الأيام القلية المقبلة بزيارات عدة للسجون التي لم يسبق لأعضاء الجمعية زيارتها من قبل، للوقوف على أوضاعها وأوضاع السجناء فيها ومتابعة حالاتهم، ومنها منطقتا نجران وجازان وبعض المناطق الأخرى. وأشار إلى أن الجمعية أسهمت في إيجاد الحل للكثير من الحالات، مشيداً في الوقت نفسه بالدعم الذي تحظى به الجمعية لتذليل كل العقبات أمامها، ومنح أعضائها الصلاحيات التي تمكنهم من أداء عملهم، والقيام بواجبهم تجاه الحفاظ على حقوق المواطن الإنسانية والاجتماعية. من جهتها، أعربت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية عبر بيان أصدرته أمس، عن تقديرها لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على مبادرته الإنسانية بالعفو عن الموقوفين، وأشادت الجمعية في بيانها بما وصفته ب"المبادرات النبيلة"، واعتبرت هذه المبادرة ومثيلاتها دعماً لأهداف الجمعية التي تعمل على تنفيذها منذ نشأتها.