نشرت صحيفتنا "الحياة" لقاء يعد قصيراً في العرف السعودي المعتاد عند الحديث مع الوزراء - مع وزير العمل في بلادنا الدكتور غازي القصيبي، وأجاب الوزير على ثمانية أسئلة إجابات قصيرة مختصرة، ليتفرغ فيما يبدو لحرب السعودة الضارية. لكن الوزير أو مساعديه قد يطالعون في الصفحة الرابعة من العدد نفسه تقريراً أعده زميلنا ياسر المعارك عن مافيا الأدوية في السوق السعودية، يديرها وافدون من جنسية واحدة، هي التي تحكم اليوم كل تعاملاتها، وتتلاعب بأنظمة الجوازات والتوظيف، وتتعداه كما أعرف الى السيطرة على الأسعار والعمولات وهامش الربح والكميات، وهذا التكتل خطر أمني واقتصادي كبير، وهو يحصر إدارة قطاع حساس في فئة بعينها تمسك بالمفاتيح كافة. إن لم تكن تلك مفاجأة للوزير ولبعض قرائنا، فالمفاجأة ان كثيراً من النشاطات التجارية في السعودية تدار بهذه الطريقة التي يصعب اختراقها، وهناك تجارة رائجة لبيع البيض يديرها وافدون من جنسية واحدة، تقدر تداولاتها السنوية بملايين الريالات، وهي صناعة قائمة بذاتها لها تقاليدها وأساليبها الخاصة، وانظر الى تجارة الإطارات، وقطع الغيار، وغيرها من نشاطات تجارية منتشرة في أسواقنا على نطاق واسع. هل تبدو الصورة بهذا الوضوح على أرض الواقع؟ بالطبع لا، فكل تلك التعاملات تتم غالباً بطرق شرعية نظامية، بتستر واضح وصريح من بعض مواطنينا الذين يحتمون بظل نظام الكفالة، ويقدمون الفرصة لتلك الفعاليات الأجنبية المتضامنة لتأخذ فرصتها الكاملة وتمسك بمفاتيح"البزنس"وتسيطر على سلع السوق باستراتيجية واضحة المعالم لفريقها، غامضة علينا وعلى الجهات المختصة التي تكتفي بتشديد إجراءات منح التأشيرات، طمعاً في التضييق على التجارات غير المنضبطة وإعطاء الفرصة لبرنامج التوطين أن يعمل من دون عائق. السؤال في مقابلة الوزير حول"السعودة الإجبارية"كان جوابه شافياً ولعله الأهم، وهو أن فرض السعودة بالقوة لم ينجح ولن ينجح من دون شراكة حقيقية من جميع الأطراف، والطرف الغائب الحاضر هنا هو عدد لا بأس به من مواطني المملكة، ممن امتهنوا تجارة التستر على كل شيء، يقبضون منه عائداً سنوياً مجزياً من دون عناء، سواء كان تجارة أدوية او أسمدة أو منظفات، او حتى خدمات الصرف الصحي، أما"شراكة"الوزير فلا تؤكل عيشاً. [email protected]