اختفى مرتادو كورنيش مدينة الدمام فجأة. فلم يعد يشاهد فيه إلا عمال التنظيف، يجوبون أرجاءه الخالية. أما من كانت تغص بهم جلساته، ففضلوا الاحتماء بأجهزة التكييف الباردة، لعلهم يتقون"ضيف الشرقية الأثقل"، أي الرطوبة. رحلت"البوارح"، وجاء موسم الرطوبة، الذي سيجثم على صدور سكان المنطقة نحو شهرين. فهو لن يغادرهم إلا مع منتصف شهر أيلول"سبتمبر"، متسبباً في حالة اختناق وركود نسبي، تصل إلى حالة"فرض حظر تجول"اختياري، فكل شيء يشكو الركود، باستثناء المجمعات التجارية، التي تعج بالزوار. أما سر الإقبال على هذه المجمعات فهو بحث مرتاديها عن أماكن مكيفة، توفر عليهم دفع فواتير كهرباء مرتفعة خلال أشهر تموز يوليو وآب أغسطس وأيلول سبتمبر. وفي الوقت ذاته فإن هذه المجمعات تتيح لهم التنزه مع عائلاتهم. ولا يبدي أصحابها ضيقاً من وجود هؤلاء المتنزهين، على رغم قلة ما يشترونه منها. بيد أن وجودهم يعطي انطباعاً أن هناك حركة ما في المجمع، فضلاً عما يشترونه من المطاعم من وجبات خفيفة ومرطبات. ولم تكن المجمعات التجارية الرابح الوحيد من موسم الرطوبة، فالمحلات المتخصصة في بيع أجهزة التكييف شهدت خلال الأيام الخمسة الماضية نشاطاً ملحوظاً، فعلي أحمد الذي يعمل في أحد هذه المحلات يرفض أن يكون موعد تركيب مكيفات"السبليت"قبل أسبوع أو عشرة أيام، والسبب"زحمة الزبائن". ويقول:"موجة الرطوبة التي شهدتها المنطقة خلال الأيام الماضية دفعت الناس أفواجاً إلى تركيب واستبدال أجهزة التكييف". ويتوقع أن يحقق محله والمحلات الأخرى"أرباحاً فلكية لو استمرت الرطوبة بنفس القوة لمدة شهر فقط". أما آصف بشير، فني تبريد السيارات في إحدى ورش منطقة الخضرية، فيحلم بأن يكون صيف هذا العام مشابهاً لصيف عام 1998. ويقول: في ذلك العام حققنا ما لم نحققه في أي عام آخر، فلقد كان صيفاً غير عادي بكل المقاييس". وفي صيف عام 98 الذي يحلم به آصف تزامنت الحرارة العالية مع رطوبة منخفضة، أو رطوبة عالية تصاحبها حرارة منخفضة، بيد أن الإحساس بشدة الحر يكون أكثر في الحالة الثانية، أي إذا كانت نسبة الرطوبة مرتفعة على رغم الانخفاض النسبي في درجة الحرارة. فضعف قدرة الجسم البشري على التعرق في الهواء المشبع بالماء يجعل الشعور بالحر كبيراً، لاضطراب جهاز التبريد في الجسم موقتاً. ويعني الخروج في مثل هذه الأجواء لدى سالم سعود"استحماماً طبيعياً"، بسبب بخار الماء العالق في الجو. ويبدي سالم خشيته من انقطاع الكهرباء، الذي شهدته بعض أحياء الدمام العام الماضي، وأبرزها حي العمال. ويقول:"حين انقطعت الكهرباء في الليل اضطر الناس إلى المبيت مع أولادهم في سياراتهم المكيفة". ويعتبر احمد الدوسري موسم الرطوبة"أسوأ ما يعيشه أهالي الشرقية". ويقول:"لا تنفع أجهزة التكييف بشكل جيد في الصيف، فهي تتعطل نتيجة الحرارة الزائدة". ووصف الدوسري الرطوبة ب"مصدر أرباح المنشآت الصحية الخاصة، التي تستقبل مرضى الأنفلونزا باستمرار". وفي المقابل، فإن سعد البوعينين يعتبر موسم الرطوبة الأنسب لممارسة رياضة المشي. ويقول:"أمارس المشي خلال هذه الفترة بكثافة، لتوقعي أن وزني سيقل خلالها". ويبقى الأهالي مقيدين أمام أجهزة التكييف خلال موسم الرطوبة، فيما الرطب ودلال القهوة لا تنقطع، وأبصارهم معلقة على نوافذ منازلهم تترقب انتهاء موسم"المطر المنهمر"عليها، نتيجة اصطدام الهواء البارد ب"الضيف الثقيل"، ليتم بعدها إعلان رحيل الصيف، واستقبال الخريف.