يبدأ بتمرير يده على المكان الذي يشتكي منه المريض، يكرر الأمر مرات عدة إلى أن يشخص العلة ثم يبدأ بالعلاج، هذه هي طريقة الحاج محمد علي المصلوخ أحد أشهر أطباء العلاج الشعبي في المنطقة الذي توفي قبل أن يعلم أحد صنعته. كان المصلوخ موضع ثقة وتقدير من جميع من لمسهم بيده، أو من عايشوا مرضاً وذاقوا طعم الشفاء على يديه، وعلى رغم أنه أعمى، إلا أن تميزه في علاج الكسور والرضوض وأمراض العمود الفقري، وكذلك الخولنج جعلت منه أشهر المطببين الشعبيين إذ كان يحظى بإقبال لافت في الفترة التي سبقت انتشار المستشفيات والأطباء في المنطقة الشرقية. وكانت مدن وقرى محافظة القطيف في الماضي القريب حافلة بالأطباء الشعبيين المتخصصين في علاج الكسور والرضوض، وكان يطلق عليهم محلياً"المراخ"، ويتقاضون أجراً زهيداً مقابل الحالات التي يعالجونها باعتبار أن الحالة المادية التي كان يعيشها الناس بسيطة ومحدودة وغالبية من يلجأون إليهم هم من الفقراء الذين لا يستطيعون السفر إلى الدول المجاورة طلباً للعلاج. ويستخدم"المراخ"عدداً من الأدوات والمواد كالدهان والجدينة، وهي مصنوعة من الخشب والخيوط ومعمولة على شكل معين، ويمكن لفها حول اليد وبمقاسات مختلفة، ولا يقتصر دور"المراخ"على التدليك فقط وحل مشاكل العمود الفقري، بل تجد كثيراً من المراخين المتخصصين يجبرون الكسور بواسطة الجبيرة الشعبية المكونة من بيض وصمغ عربي"نوع من الصمغ لونه أصفر شبيه بالسكر، لكن حبيباته أكبر من حبات السكر ولونه أصفر يميل إلى البرتقالي، ويخلط مع بياض البيض وتعمل على شكل عجينة توضع على مكان الكسر وتلف بقماش أبيض"شاش"وتوضع عليها"الجدينة". وكما في الطب، فهناك"مراخون"كثيرون يشتهر منهم صاحب المهارة في العلاج ويقصده المرضى، وبسبب هذه المهارة توطدت علاقتهم مع الناس وأصبحوا موضع ثقتهم إلى الآن، خصوصاً كبار السن الذين يفضلونهم على الطب الحديث في بعض الأمراض الخاصة التي لا يوجد لدى الطب الحديث علاج سريع لها بعكس الطب الشعبي ك"الخولنج"، في هذا الأمر يقول هاني العبندي الذي ذهب مع جده إلى أحد"المراخين":"حاولت أن أقنع جدي بالتوجه للطبيب ولكنه رفض بشدة ولم يذهب إلا إلى صديقه القديم الذي كان يعالجه منذ طفولته ويعرفه معرفة جيدة، إلا أن هذا"المراخ"ترك المهنة لكبر سنه"، ويضيف:"ما أن رآه حتى تهلل وجهه ورحب بصديقه القديم، وأخذ يدلك رجل جدي التي كانت تألمه ألماً حاداً جعلته لا يستطيع المشي إلا بواسطة العكازات أو مساعدة أحد". ولا يستطع"المراخ"توفير عيشه من مهنة الطبابة نظراً إلى قلة الأجر الذي يتقاضاه، ما يدفعه لممارسة مهنة أخرى تضمن له دخلاً ثابتاً كالحلاقة أو العمل بالصيد أو الزراعة. ومن هؤلاء"المراخ"الحاج منصور المحاسنة المشهور ب"أبي سلمان"الذي كان يعمل حلاقاً في دكانه وسط سوق جزيرة تاروت، ويأتي في الشهرة بعد الحاج المصلوخ، وكان من المعروفين بدقة الملاحظة والقدرة الفائقة على تشخيص العلل وعلاج آلام الظهر والعمود الفقري. وكان مثلاً في اكتشاف صدق أو كذب مدعي المرض حتى أصبح حكماً في هذا الشأن، ويخافه الصبية الذين يدعون المرض بغية التهرب من العمل أو الذهاب إلى المدرسة. وتشتهر تاروت من بين مدن وقرى المنطقة الشرقية ب"مراخيها"المتميزين من الرجال والنساء، وكانت ل"المراخات"النساء شهرة تضاهي الرجال ويقصدهن نساء المنطقة لتلقي العلاج، ومن بينهن"المراخة"بنت محمد حسين المعروفة بهذا الاسم، والمراخة أم خضر، التي كان كبار"المراخين"يحرصون على تعليم بناتهم طرق"المراخ"وتشخيص المرض وعلاجه عندها. ومع ظهور المستشفيات وانتشارها تقلص دور المراخ المتخصص حتى لا تكاد تسمع بمراخ في الوقت الحالي، غير أن كثيراً من كبار السن وحتى الشباب يفضل المراخ في حالات معينة مثل حالات عرق النساء، ويقول عبدالله السياقات الذي كان يعاني من هذا المرض:"لم يفلح العلاج الحديث في تخفيف الآلام التي كنت أعاني منها، وعلى رغم ذهابي إلى عدد من الأطباء وإجراء العلاج الطبيعي ولكن من دون فائدة، ثم ذهبت إلى مراخ معروف في المنطقة وشعرت بعدها بتحسن كبير". ويشير دكتور العلاج الطبيعي عبدالواحد الزاهر إلى أن"المرخ"هو نوع من أنواع التدليك أتقنه"المراخون"الذين تعلمت غالبية على يد حاذقين، والتدليك هو مصطلح علمي يستخدم لوصف مجموعة من الحركات اليدوية وتطبق على عضلات الجسم المختلفة بهدف التأثير على أجهزة الجسم وخصوصاً الجهاز الدوري والعضلي والغدد الليمفاوية. ويضيف الزاهر:"لا يعتمد التدليك على علم فقط بل يحتاج إلى فن وخبرة أيضاً، و"المراخ"الحقيقي يستوفي الشرطين عندها يكون مختصاً ومشهوراً". ويرى أن المختصين من أطباء العلاج الطبيعي يوصون بضرورة إلمام المعالج بالنواحي العلمية لطبيعة العلاج، ومعرفة تكوين جسم الإنسان التي لها تأثير على نجاح العلاج، والإلمام بالأجهزة المكونة للعضلات والأعصاب والأربطة والشرايين والأوردة والغدد الليمفاوية وخواصها وكيفية التعامل معها، والعلاج"كما يرون"ليس عملية وضع كريم أو زيت مع حركة يد عشوائية من دون أساس علمي مما يسبب مخاطر ومضاعفات خطيرة جداً على الإنسان، بعضها فوري، والآخر تظهر آثاره بعد مرور مدة من الزمن مما صعب علاجه. ويقوم الزاهر في عيادته بعملية التدليك حسب الأصول العلمية نافياً ممارسته"المراخ"بمفهومه الشائع لدى الناس أو الذي يمارسه المطببون الشعبيون في مختلف مناطق العالم، مؤكداً أن العلاج الشعبي لا يستطيع أن يتقدم على الطب الحديث في علاج أي مرض لأن العلم هو المعيار الذي يحكم هذه المهنة العظيمة. ويشير إلى أن التدليك يساعد الجسم على التخلص من الإرهاق البدني والعصبي والنفسي ويساعد أجهزة الإنسان على التخلص من الفضلات نواتج التمثيل الغذائي والغازات، وتحسين النغمة العضلية، وتحسين تغذية الأنسجة، وتحفيز الجسم على مقاومة الأمراض، ومعظمها الروماتزمية والقلب والسكر والضغط إذا طبق بطريقة صحيحة، كما يحسن التوافق العضلي العصبي عند الإنسان مما يساعد على العمل بكفاءة من دون إرهاق، ويقلل من التعرض للإصابات ويساعد على زيادة إنتاجية الفرد، ورفع كفاءة الجهاز المناعي للتغلب على الأمراض.