أبدى المواطنون في الآونة الأخيرة إقبالاً شديداً على المساهمة في المخططات العقارية، التي وجد أصحابها أنهم أصبحوا في يوم وليلة من أصحاب البلايين، فمن يضمن عودة الحقوق لأصحابها في ظل غياب دور وزارة التجارة؟ ثم هل تجميد تلك الأموال الكبيرة في مساهمة ما يخدم الاقتصاد الوطني؟ "الحياة"طرحت الموضوع على بعض المتخصصين فقال أستاذ المحاسبة في الكلية التقنية في الرياض عبدالمجيد بن عبدالرحمن الفايز: إن المساهمات العقارية كانت قبل التنظيم الأخير أشبه بشركات توظيف الأموال، التي لا تتوافر فيها ضمانات كافية لحفظ حقوق المساهمين، وتكاد تقتصر الضمانات على اسم الجهة التي تقف وراء المساهمة ودرجة الصدقية التي تتوافر لها في السوق، ولك أن تتخيل أن ترخيص المساهمة العقارية التي يصل حجم الأموال المستثمرة فيها إلى ألف مليون لا يستغرق ثلاثة أيام، بينما يستغرق الترخيص لشركة مساهمة برأسمال عشرة ملايين فقط شهوراً عدة، وتمر بمراحل كثيرة حتى يصدر قرار إنشائها، ولقد أقرت منذ مدة إجراءات وضوابط جديدة للمساهمات العقارية، ولكن حتى الأخيرة ليست كافية تماماً لحفظ حقوق المساهمين، ويرجع السبب في ذلك لاعتقاد وزارة التجارة أن تعيين مراقب حسابات معتمد من الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين كاف لحفظ الحقوق، بينما مهمة المراجع بحسب الأعراف والإجراءات المحاسبية المعروفة لا تخوله منع التصرف في أموال المساهمين لأغراض أخرى، وهذا اللبس ينبغي على وزارة التجارة أن تعمل على تلافيه حتى يمكنها أن تسهم بأي إجراءات في حفظ حقوق المساهمين. وحول توافر الضمانات الكافية، يوضح الفايز أن ذلك ليس موجوداً إلا في السندات أو في الفوائد البنكية، فلا يمكن الجزم بعدم الخسارة في أي نوع من أنواع الاستثمار، وفي المساهمات العقارية يعتقد الكثيرون أنها مضمونة المكاسب، وشدد على أن الأموال المستثمرة في الأراضي السكنية غير مفيدة للاقتصاد الوطني، فلا هي تزيد من الناتج القومي ولا توفر فرصاً وظيفية للشباب ولا تزيد الصادرات ولا تجلب العملات الصعبة، هي فقط استثمار مربح لأصحابه. وتساءل: هل تقبل وزارة التجارة مثلاً أن تتم المضاربة على السكر والأرز من التجار من أجل مبدأ حرية الاقتصاد؟ إذ إن الأراضي السكنية مثلها مثل السلع الرئيسة يجب ألا تترك للمضاربات عليها، ومن ثم يتحمل دفع أرباح هؤلاء المضاربين المواطن البسيط الذي ربما يغوص في الديون من أجل شراء قطعة أرض صغيرة ليقيم عليها مسكنه. وحول علاقة ارتفاع أقيام الأراضي السكنية بأزمة السكن التي يعاني منها أغلب الأفراد، أوضح الفايز أنه منذ نحو خمسة وعشرين عاماً تقريباً كانت أسعار الأراضي السكنية في متناول أغلب المواطنين، فاستطاعوا شراء أراض سكنية لهم وبناءها من طريق صندوق التنمية العقاري، أما اليوم فإن سعر قطعة أرض بيضاء صغيرة لا تتجاوز مساحتها ستمئة متر مربع، يعادل قيمة مزرعة معتبرة واسعة المساحة بنخيلها ومبانيها ومعداتها كاملة، على رغم الفارق بين الاثنتين، ويعادل كذلك راتب موظف معتبر لسنوات عدة، هذا الواقع لأسعار الأراضي جعل السواد الأعظم من المواطنين لا يستطيع اليوم تملك أراض سكنية، خصوصاً أن غالبيتهم ينفق جل دخله في تأمين متطلبات أسرته المعيشية، والمحظوظ منهم هو من يتمكن من شراء قطعة أرض سكنية بعد سنوات من الادخار والتوفير، وعندها سيحتاج إلى سنوات أخرى لبنائها وهذا ما اشارت إليه دراسة قامت بها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، تضمنت أن نحو 80 في المئة من سكان مدينة الرياض لا يستطيعون تأمين منازل لهم. من جانبه، أبدى عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور محمد الغامدي استغرابه لكثرة المساهمات في الآونة الأخيرة، قائلاً إنها غير مفهومة، وأكثر ما يخيفني كمية الإشارات الإقناعية في إعلاناتها التي تستطيع التأثير في المتلقي بسرعة. ويضيف: لا أعرف كيف توافق وزارة التجارة على مثل هذه المساهمات التي لا يوجد فارق واضح بينها وبين شركات توظيف الأموال، ويجب أن تعرف وزارة التجارة أن غالبية المساهمين هم من عامة الناس الذين قد يضعون في مثل هذه المساهمات كل ما يملكون. وحول توفير الضمانات للمواطن البسيط،أبدى الغامدي أسفه قائلاً:"في الواقع ان وزارة التجارة كحامية للمستهلك عموماً غير موجودة، فأنت تواجه غشاً وتجاوزات يومية وتعلم أن وزارة التجارة لا تحميك! وهنا الشيء نفسه، أعتقد أنه لا يوجد أي ضمانات لمثل هذا المساهم البسيط، فنحن نسمع عن مساهمات تعثرت ودخل المساهمون في دوامة محاولة استرداد مدخراتهم التي طالت سنوات عدة، ومع ذلك يجب ألا ننسى أن بعض المساهمين يجنون على أنفسهم عندما يجرون خلف وهم الربح السريع، فلا يدققون في المساهمة وفي المكتب العقاري وفي الأرض المخصصة للمساهمة ومكانها، وهل تم فيها شيء من الخدمات أم لا؟