لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات واكتتاب البلاد في حفر الباطن، فهناك عين تتجه الى الانتخابات والتصويت فيما تتجه الاخرى نحو الاكتتاب، خصوصاً ان حفر الباطن تشهد سباقاً محموماً، يتبارى فيه 55 مرشحاً على كسب أصوات 20572 ناخباً، للوصول إلى مقعد من المقاعد الخمسة المخصصة للأعضاء المنتخبين في المجلس. لكن السباق لا يشغل المرشحين والناخبين أيضاً عن اكتتاب"بنك البلاد"، الذي سيبدأ بعد 5 أيام، إذ تشهد المحافظة والمناطق الأخرى سوقاً سوداء لأسهم هذا البنك، وعلى رغم أنها لم تطرح بعد للاكتتاب، إلا ان سعرها تجاوز 500 ريال نحو 133 دولاراً. افرزت الاجواء الانتخابية الساخنة للمجلس البلدي مجموعة من متقمصي دور"المحلل والخبير البارز"، ينشغلون في تحليل المشهد الانتخابي في المحافظة واستعراضه. وينتشر هؤلاء يومياً في المجالس والاستراحات لتوزيع آرائهم وتحليلاتهم، لإيهام الناخبين بثقافتهم الانتخابية من خلال الاجتهاد لتفسير مجريات الأمور واستخلاص نتائج"مؤكدة"عن مسار الانتخابات البلدية في حفر الباطن، والترويج لانفسهم بانهم قادرون على تحديد فرص كل مرشح وحظوظه في الفوز. وفيما يضع مرشحون لمساتهم الاخيرة لإقامة مقراتهم الانتخابية، قام بعضهم بشراء الخيام، التي كلفت أحدهم نحو 50 ألف ريال نحو 13 ألف دولار، بخلاف بقية التجهيزات مثل السجاد والكراسي وخلافه. وتنافست غالبية المرشحين على اختيار الأماكن البارزة في المدينة، من أجل نصب مقراتهم فيها، فيما عمد آخرون إلى الابتعاد عن هذه الأماكن، خوفاً من السطو على أفكارهم وبرامجهم التي يعتزمون طرحها على الناخبين، وان كانت غالبيتها متشابهة إلى حد كبير، ولا تخرج عن إطار الوعود بحل المشكلات التي تعاني منها حفر الباطن، وتحسين مستوى الخدمات. وتمثل الشخصيات المستضافة في المقرات الانتخابية معضلة كبيرة يواجهها مرشحو حفر الباطن، فمدينتهم تشكو شحاً في الرموز الإعلامية أو الأكاديمية التي يمكن استضافتها في ندوات المخيمات، للحديث عن العمل البلدي ودوره في تطوير المحافظة، وهو ما دفع أحد المرشحين إلى الذهاب إلى الرياض لمقابلة شخصيات إعلامية وأكاديمية ودينية معروفة، بهدف إقناعهم بإقامة ندوات في مقره الانتخابي. الطريف ان بعض المتنافسين اتفقوا في ما بينهم على استضافة كل واحد منهم للآخر في مخيمه الانتخابي، حلاً لهذه المشكلة وسداً للفراغ وجذباً لأكبر شريحة من الناخبين وتفعيلاً للحملة الانتخابية لكل منهم. وعمدت غالبية المرشحين طوال الأيام السابقة إلى متابعة الندوات الانتخابية التي أقيمت في الرياض، من أجل الاستفادة من بعض الأفكار والطروحات التي تخللتها، وتجنب سلبياتها، وكسب أكبر نسبة من الحضور ومحاولة التأثير على الناخبين وملامسة أحاسيسهم. كما مثل اختيار شعار الحملة الانتخابية هماً كبيراً لدى بعض المرشحين، فالكل يبحث عن التميز، وأن يكون شعاره الأكثر جذباً، والأشد لفتاً للانتباه، لقناعتهم ان الشعار يمثل عاملاً مهماً في التأثير المعنوي على الناخب، ويدلل على فكر المرشح، ويعكس صورته ورؤيته للأمور. هذا ما دفع إلى بروز"أخصائيي الشعارات الانتخابية"، وغالبيتهم من مدرسي اللغة العربية، الذين قاموا بكتابة عدد من الشعارات، واستعرضوها أمام المرشحين، من أجل اختيار أنسبها، فيما فضل مرشحون آخرون أسهل الطرق، عبر اختيار شعارات عامة تصلح لكل مكان وزمان. في هذه الأثناء، توسعت دائرة التكهنات عن وجود تنسيق مسبق لقيام مجموعة من التكتلات بين بعض المرشحين، وأدى العدد الكبير من المرشحين، وبخاصة المنتمون إلى القبيلة نفسها، إلى ازدياد الحديث عن مثل هذه التكتلات، التي يسعى أصحابها إلى تحقيق أرقام جيدة توصلهم إلى نيل العضوية، أو على الأقل حفظ ماء الوجه بعد فرز الأصوات، وألا يكونوا مثاراً للسخرية من البقية. وسيواجه الناخب في حفر الباطن هو الآخر مشكلة كبيرة، بسبب كثرة أسماء المرشحين، فبعض الناخبين لا يملك سوى خمسة أصوات هم أفراد عائلته، فكيف سيرضي بها مرشحي قبيلته الذين يتجاوزون بكثير ما يملكه من أصوات؟ وأجمع أغلب الناخبين على أنه لا يوجد سوى اسم واحد أو اسمين فقط يستحقان التصويت لهما من أبناء قبيلتهم، فيما الأسماء الأخرى ليست لها القدرة على تحقيق آمال المواطنين في حل مشكلات المحافظة وطرح الأفكار وبلورتها إلى مشاريع قابلة للتنفيذ. بيد ان كل هذا الانشغال بالانتخابات البلدية لم يمنع بعض المرشحين والناخبين من التفكير في الاكتتاب في أسهم"بنك البلاد"التي يسبق البدء فيها طرح القائمة النهائية للمرشحين بيوم. وعاش مرشحون حالاً من التشتت بين الاكتتاب وتدشين الحملة الانتخابية، لاسيما أنهم يعتبرون من كبار المساهمين في السوق المالية على مستوى حفر الباطن، ما دفع أحد المراقبين إلى القول:"الجهد ينبغي ان يكون مضاعفاً، والعين ستنظر إلى ناحيتين في آن، فواحدة ينبغي ان تركز على هموم وشجون الانتخابات، إذا كان المرشح جاداً في الوصول إلى المقعد البلدي، والأخرى يفترض ان توجه إلى فروع المصارف، حيث الاكتتاب الذي يعد الداخلين فيه بأرباح خيالية، قد تتجاوز 400 في المئة، كما حدث في اكتتابي اتحاد الاتصالات والتعاونية للتأمين خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وأدى التنافس بين كبار المساهمين إلى ارتفاع سعر بيع السهم الواحد في السوق السوداء إلى نحو 500 ريال 133 دولاراً. وهو سعر يعتبر قياسياً في حفر الباطن، إذ لم يصل سهم اتحاد الاتصالات والتعاونية للتأمين إلى أكثر من 300 ريال 80 دولاراً. وشهدت صالات تداول الأسهم في فروع المصارف في حفر الباطن عمليات بيع أسهم على نطاق واسع، قام بها أكثر من مرشح، بهدف تمويل حملته الانتخابية. وفي هذا الصدد قدم أحد المرشحين تعهداً إلى أحد الناخبين تحتفظ الصحيفة باسميهما بان يسجل له أسهماً في مصرف البلاد، حين يبدأ الاكتتاب، مقابل التصويت له، وبخاصة أنه وأبناءه يملكون 100 صوت، وفي وسع المرشح التحكم فيها وتوجيهها بالشكل الذي يريد، عبر التصويت له ولأربعة مرشحين آخرين يحددهم المرشح للناخب. وعلق أحد المراقبين مستغرباً على الحادث:"كيف سيتمكن المرشح من معرفة لمن سيصوت الناخبون الذين دفع لهم، طالما ان التصويت سيجرى في سرية". وأثارت هيمنة الانتخابات والاكتتاب على المجالس في المحافظة تذمراً لدى أحد المواطنين فقال:"أصبنا بالتخمة من كثرة الحديث عن الانتخابات والأسهم". وطلب ممن يحمل جهاز"الريموت كنترول"ان يديره إلى قناة"الخليجية"، وهو يردد"ربما تظهر أغنية"التفاحة"أو"الرمانة"فنجد شيئاً أفضل من هّم الانتخاب أو الاكتتاب، الذي ربما يسبب لنا"الاكتئاب".