في ظهيرة يوم عيد الأضحى من العام الماضي كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد حينها، حسم أمره في ضرورة الدعوة العاجلة إلى قمة إسلامية استثنائية، تنظر في حال الأمة وتعيد لها دورها التاريخي. إذ كان يومها قطع دورة كاملة من التدبر في أمر العالم الإسلامي، وحال التشرذم والتمزق الذي يعيشه على مدى أعوام طويلة. إلا أن الملك كان حينما يتأمل في كل عام من شرفة قصره في مشعر منى حركة أكثر مليوني حاج يرتدون زياً واحداً ومبتهلين إلى رب واحد، أن يغفر خطاياهم ويرزقهم بنعمائه، يشعر بأن الأمل لا يزال معقوداً على مواجهة الحال الراهنة والمخاطر المستقبلية. تلك الظهيرة من العام الماضي ووسط أجواء ربيعية خيمت على المشاعر المقدسة أطلق الملك عبدالله دعوته لزعماء العالم الإسلامي خلال استقباله السنوي لرؤساء الدول ممن يحجون والشخصيات الإسلامية ورؤساء بعثات الحج، وهي الدعوة التي تلتئم تلبية لها قمة الأربعاء المقبل. وبعد أن بارك الملك عبدالله لضيوفه إتمامهم مناسك الحج:"في يسر وسهولة بفضل من الله وتفضله عليكم بالمثول في هذه الأماكن الشريفة على صعيد واحد، مؤكدين رسالة الإسلام الخالدة ودعوته إلى التسامح والسلام ونبذ الفرقة، مرسخين بذلك إحساسكم بأنكم خير أمة أخرجت للناس". خاطب الملك الحضور في كلمته السنوية إلى حجاج بيت الله الحرام بالقول:" إخواني ضيوف الرحمن: لا يمر موسم من مواسم الحج إلا وأتأمل الحشود العظيمة التي جاءت من كل فج عميق... وأخرج من تأملي بأن الأمل ما زال معقوداً على أمتنا، لتوحيد كلمتها، وان تخرج من حال التشرذم والتمزق". وأضاف:"إن هذه الوحدة أيها الأخوة ماثلة في ما نشاهده في الحج... فالحجاج في حشدهم المبني على الإيمان والتسامح يقدمون إلى قادة الأمة الإسلامية القدوة في أن وحدة الأمة قريبة منا ماثلة في رسالة الحج، حيث تتحد فيها المقاصد والغايات، وتمتد جسور الحوار مع الذات ومع الأخوة في الإسلام ومع العالم أجمع". وعطفاً على هذه الرؤية التي خرج بها الملك بعد تأمل طويل خاطب الحضور ومن ورائهم حجاج موسم العام الهجري 1425 بالقول:"إخواني ضيوف الرحمن... إن اجتماعكم يدعوني لأن أتوجه من خلالكم إلى إخواني قادة البلاد الإسلامية لنتجاوز بإيماننا بالله ثم بأمتنا حال التفكك والتشرذم، وان نواصل رسالتنا التاريخية". وأضاف:"أنني أيها الأخوة كلما شعرت بالألم من أحوال امتنا يأتي الحج ليعيد إلى نفسي الأمل بأن تراب هذه الأمة يحمل بذور النهضة والوحدة من جديد. ويطيب لي من صعيد منى الطاهر أن أدعو إخواني القادة إلى لقاء نبحث فيه معاً عن نقاط الوحدة والعمل المشترك". ثم تمنى على رئيس الدورة العاشرة الحالية لمنظمة المؤتمر الإسلامي الماليزي عبدالله بدوي أن تخطو المنظمة وأمينها العام الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي خطوة عملية لتنظيم هذا اللقاء. وفي تميز لقمة مكة الاستثنائية رأى الملك عبدالله أن يشرك قادة العلم والفكر والإعلام في صوغ رؤية شاملة للعمل الإسلامي للنهوض به من حال التفكك والتشرذم، إذ قال:"وأن تسبق ذلك انعقاد القمة الاستثنائية لقاءات بين مفكرين وعلماء الأمة يتأملون فيها حالها، ويحددون رؤاهم لمستقبلها ليكون في ذلك عون للقاء القادة، الذي أرجو أن يتم هنا، وفي هذا البقاع الطاهرة". وأوضح الملك، ولي العهد في حينه، القول:"إنها دعوة لمواجهة الذات والبحث عن المشترك وبناء الصف وتوثيق اللحمة، يطلقها أخ لكم، همه همكم، وألمه ألمكم ويقاسمكم الأمل والإيمان بالله جل جلاله". وفور تلك الدعوة، أعلنت منظمة المؤتمر الإسلامي مباركتها للخطوة التي وضع الملك عبدالله فيها زعماء العالم الإسلامي أمام مسؤولياتها التاريخية، وتعهدت ببدء استعداداتها للاتصالات السياسية بالقادة، وبحث الترتيبات، وتنظيم الملتقى الفكري الذي يسبق مؤتمر القمة الاستثنائية. وحجاج الموسم المقبل الذين يؤدون فريضتهم بعد اقل من شهر ونصف الشهر سيكونون شهداء على نتائج القمة، مثلما كان حجاج العام شهداء على موجة الدعوة، لالتئامها في البيت العتيق، مكةالمكرمة.