قبل نحو ثمانية أشهر بعثت بخطاب شخصي إلى كل من عميد كلية الطب في جامعة الملك فيصل وصورة إلى مدير مستشفى الملك فهد الجامعي في الخبر، بعيداً من الاضواء والصحافة، لمعالجة بعض السلبيات التي شاهدتها ونقلت إلي من بعض المرضى والمنومين هناك. وعلى رغم أنني لا أنتظر الشكر على الواجب إلا أنه لم يتكرم أحد بالرد على ما أشرت إليه، وإنما تم السكوت، وكأن الامر لا يعنيهم صورة الخطاب محفوظة لدي. ومن الامور الكثيرة التي أشرت إليها في خطابي أعلاه حالة الطوارئ والسلبيات الموجودة، ومع ذلك الوضع ازداد سوءاً، ففي يوم الخميس 17-11-2005، الساعة ال 11 صباحاً زرت الطوارئ وأذهلني ما رأيت، إذ تحول القسم إلى ما يشبه عيادة متنقلة نشاهدها في مناطق الأوبئة والكوارث في أفريقيا، كمٌّ هائل من البشر ومن مختلف الجنسيات محشورون في ممر ضيق ويدخلون على عيادة ضيقة يوجد فيها طبيب وطبيبة من جنسية عربية واحدة، وفي داخل هذه العيادة الضيقة لا تجد للمهنة وجوداً، وإنما تتعالى الشتائم ويغلب على الجو الصراخ الذي نمتاز به نحن العرب ونجيد فنونه. وما يهم الطيب وزميلته هو إنهاء أكبر عدد ممكن من الناس من دون معرفة أمراضهم أو فحص وتدقيق. تصوروا أن لا احد يأخذ الحرارة أو يقيس ضغط المريض، وإنما يتم التشخيص عبر المشاهدة من بُعد لعدد من المرضى المتجمهرين، ولا يسأل المريض إلا عن اسمه ليكتب له علاج قد يكون سبباً في وفاته. هذا الصرح كلفنا الكثير وأنفق عليه مئات الملايين ووظف فيه آلاف البشر وتخرج لدينا آلاف الأطباء والممرضات والمديرين... فلماذ حالنا هكذا؟ ولماذا مرافقنا تسير في اتجاه معاكس للتطور والتقدم والرقي بتعاملها مع بني البشر؟ إذا كان أبناؤنا وبناتنا غير قادرين على إدارة مرافقنا والاهتمام بها وتطويرها، فالأجدر بنا أن لا نقدم إليهم التعليم المجاني والرواتب العالية أو نتركهم ونستقدم بنصف ما نصرف عليهم من أي دولة في العالم اناساً يحترمون العمل ويؤدونه بمهنية وإخلاص. في زيارتي المشؤومة لهذا المستشفى وفي العيادة نفسها دخل مواطن يستغيث معه طفل لا يتجاوز عمره سبع سنوات مضروب العين ويصرخ ويستنكر بأنه أمضى 25 دقيقة ولم يتكرم أحد عليه بإعطائه ورقة لإسعاف عين الطفل. تصوروا ماذا كان رد الطبيب؟ قال له ما نسميه ملك الرحمة: وانا مالي يا أخي إن شاء الله 25 ساعة!! وزميلته ترد: اعوذ بالله نشتغل إزاي!! نعم ليس له دخل، فالمكان الذي وضع فيه هذا الطبيب فهم منه أن صحة المواطن غير مهمة وحياته رخيصة، وما عليه الا الترضية بوصفه للمريض وأي مسكن معروف. هذا الموقف الذي يتعرض له المواطن المحتاج إلى الرعاية الصحية تغربه عن وطنه وتجعله يزهد فيه، وهو يرى الاهتمام المقدم والرعاية الصحية في أي دولة من دول العالم لمواطنيها، ونحن لدينا من الامكانات ما يفوق إمكانات تلك الدول، ولكن السؤال هو: من يعلق الجرس يا وزارة الصحة ويا جامعة الملك فيصل، ليشعرنا بأن حياة المواطن وصحته مهمة؟