في عموم الساحة الثقافية في الوطن العربي، أصبح هناك ما يشبه اليقين في شأن النقد وتصديه لهذا الجنس الأدبي أو ذاك، فمعظم الأدباء لم يعد ينتظر من النقاد أن يقدموا دراسات حول الشعر، قصيدة النثر تحديداً، أو حول أي جنس أدبي جديد، وصار الرهان على المبدعين أنفسهم، في إضاءة المنجز الإبداعي، الشاعر في حال قصيدة النثر، والروائي بالنسبة إلى الرواية... الروائي عواض العصيمي، يؤكد هذا التوجه. "النقد لدينا يحدث كرد فعل على شيء حدث وانتشر خبره في الأوساط العربية أو العالمية، وليس كفعل يُحدِث موضوعه النقدي ويصنع خبره بنفسه"، هكذا يصف الروائي عواض العصيمي حال النقد في السعودية. ويلاحظ كما لاحظ سواه من المهتمين بالمشهد الروائي،"أن الطفرة الروائية تلك لم يماثلها طفرة نقدية موازية لها ومتزامنة وإياها في أدبنا المحلي. بل لم يعرف عن ناقد من هنا، وأنا أركز على هذه الإشارة أنه وضع مشروعاً نقدياً شاملاً في السرد السعودي كله، لا في هذه الفترة، ولا في الفترات الماضية، بل لا أعرف أن ناقداً في هذا الوقت تحديداً، بصدد وضع مشروع نقدي من هذا النوع، ولم أسمع عن مؤسسة ثقافية، أو نادٍ أدبي قام بهذا الفعل المهم، وإلى الآن لم تقدم لنا وزارة الإعلام والثقافة أي خطط أو برامج عن أدبنا المحلي ومثقفي الوطن على اختلاف اتجاهاتهم". وقال العصيمي ل"الحياة": إن ما تنشره الصفحات الثقافية من نقد ناتج من مفهوم عن النقد أراه يميل إلى الطرح الصحفي والكتابة العامة، أكثر من ميله إلى النقد الأكاديمي المتخصص والجاد. فالناقد عندنا كائن مدلل، واختياره المواد لا ينبني في العادة على مسؤولية نقدية نابعة من الداخل، بل على أشياء كثيرة منها سمعة الكاتب التي لابد أن تكون رائجة ومروجة في الوقت نفسه، فمنذ سنوات وإلى الآن وجلُّ النقاد السعوديين يتحدثون في كل مرة عن مؤلفين روائيين من أيام الثمانينات وما قبلها مثل عبده خال، ورجاء عالم، وعبدالعزيز مشري، وإبراهيم الناصر الحميدان، كنماذج روائية ثابتة في ذاكرة النقد السعودي، ولم يتحرك أحد منهم باتجاه التطورات الروائية الحديثة، التي أبرزَها كتاب محليون شباب مثل عبدالله التعزي، ومحمود تراوري، ويوسف المحيميد، وليلى الجهني، ونوره الغامدي، وسواهم. علماً أن جيلاً جديداً من الكتاب ظهر الآن، وشرع يشق طريقه في القصة والرواية، مثل منصور العتيق، ومنصور المهوس، وعائشة القصير ومنى العجمي". الانتصار للغة وتطرق العصيمي إلى رواية"الحزام"للروائي أحمد أبو دهمان، كنموذج لتفاعل النقد المحلي مع ما يبرز عربياً وعالمياً أكثر من تفاعله مع ما يصدر في الداخل، متوقفا عند الناقد معجب الزهراني، الذي كتب عنها بفرح واحتفاء لم نجده حيال روايات محلية زامنتها في الظهور، ودخلت المكتبات السعودية، وكتبها شبان لا أعتقد بأن أحداً يشك في مواهبهم وإخلاصهم لفنهم، لكن العاطفة والانتصار للغة والثقافة والتوجه كثيراً ما يؤثر في اختيار الكاتب موضوعه النقدي. ومن جهة أخرى، نلحظ كيف تقدَّم على كل المشهد السردي المحلي الكاتب الوزير غازي القصيبي في حين يكفيه ما طرح عنه وكتب عن أعماله في الخارج، وأنا لست ضد مثل هذا الظهور، فلكل روائي ومبدع الحق في الظهور بالطريقة التي يختارها، لكن بما أننا نتحدث عن أدب محلي، وكتَّاب محليين، فكان يفترض من قبيل الإحساس بالمسؤولية الصادقة والشعور بالشرط الحضاري في تقديم أدب المملكة وإبداعها أن يُقدَّم الجميع بطريقة لائقة ومنصفة ونزيهة. غير أن مثل هذه المثاليات - فيما يبدو لي - اتضح من التجربة أنها تنطبق على كُتَّاب دون كُتَّاب، وعلى أسماء دون سواها، ونتج من هذا الغياب النقدي من جهة، وهذا الانتقاء في اختيار الأسماء من جهة أخرى أن عدداً كبيراً من الكتاب المحليين والكاتبات المحليات وجد في منطقة نقدية ميتة أو مشلولة، على رغم أن ظهور نتاجهم زمنياً يصطحب بأحداث وتحولات كثيرة ومتنوعة، تجعل من المهم قراءة ما يكتبون بتمعن وتفحص، في إطار نقدي منهجي حديث ومنفتح". قراءات انطباعية ويرى صاحب رواية"على مرمى حجر"أن على الروائي الشاب ألا ينشغل بمشروعه السردي فحسب، بل أن ينفتح استقرائياً ونقدياً على كتابات زملائه في حقله ومجاله، وأن يتوازى خطه السردي وعمله الانطباعي في ما ينتجه الآخرون محلياً، وأنا أركز على العمل المحلي، لأننا على رغم السنين الطويلة من الإنتاج والتأليف لم نستطع الوصول في شكل جيد إلى القارئ المحلي، فمعظمنا ما يزال يشغله ويهمه ماذا عسى أن يقول عنه الناقد العربي في بيروت أو في القاهرة أو عَمَّان. أما في الداخل فموكول إلى الصدفة والفرصة فحسب. من هنا أؤيد جداً كل محاولة انطباعية يقوم بها كاتب عن عمل زميل له، وليس يعني ذلك أن نقع في فخ المديح والتمجيد المتبادلين، بل من منطلق الإحساس بأهمية الكلمة الأدبية، وخطورة التعاطي القرائي إزاء المنتج الإبداعي. وأريد أن أنوه بنقطة مهمة هي أنني لا أطرح قراءتي المتواضعة والبسيطة بديلاً عن النقد المأمول والمرتجى، ولا أعتقد بأن أحداً سيطرح نفسه من هذه الباب، ولكنها كما قلت، قراءات انطباعية آمل أن تكون ضمن جهد جماعي، يطرحه الكُتَّاب أنفسهم حول أعمالهم، وألا ينتظروا متى يتحرك النقد المحلي بشكل سليم ومعافى".