عرف بصراحته عندما يعلق على الكثير من الأحداث الثقافية ، حتى قال عنه أحد الروائيين " إنه من فئة من لا يعجبه العجب". حضوره الإبداعي وخصوصا في القصة القصيرة والرواية، وحضوره الكتابي الدائم في مواقع التواصل الاجتماعي ، بالتوازي مع الإنتاج الإبداعي ، يجعله علما معروفا ، لا يحتاج إلى تعريف. فالهدف من حوار "الوطن" معه هو محاولة البحث في ما وراء سطوره"الساخنة" دائما. يتحدث "عواض" هنا عن فساد ثقافي وعن محسوبيات وعن نقاد "حسب الظروف" وغيرها من القضايا التي تشغل المبدع والمثقف. إنه الروائي السعودي عواض شاهر العصيمي . بعد رواية "طيور الغسق" التي صدرت عن دار "أثر" عام (2011 )وهي الرواية الخامسة لك منذ عام (2001).. هل لدى عواض شاهر مشروع كتابي جديد يمثل نقلة جديدة في أعماله الأدبية؟ كل رواياتي الخمس تمثل كل واحدة منها نقلة جديدة من وجهة نظري، ولكني كأي كاتب أحلم بكتابة عظيمة ومفصلية.. ولا أدري هل أصل إليها أم أتوقف دونها؟ على الرغم من انتقادك الدائم لبعض النقاد الأكاديميين إلا أنك شخصيا بدأت تكتب بشكل شبه مستمر قراءات نقدية في إحدى الصحف .. كيف تفسر ذلك؟ ما أكتبه في الفضاء الانطباعي ليس إلا محاولة لتنشيط علاقتي بما أقرأ إلى ما فوق القراءة الصامتة، لذلك أحاول إطلاق بعض قراءاتي في الفضاء الانطباعي المكتوب وأنا في الأساس ليس مجالي النقد ولا أدعي ذلك، والمفترض أن نتعلم فن قراءة النصوص من نقاد متخصصين في الكتابة عن النصوص الإبداعية، لكن المشهد النقدي في عمومه عاجز حتى الآن عن ملء الفراغ الماثل بين عشرات النصوص الإبداعية والممارسة النقدية، فالنقاد أنفسهم فئات وجماعات، فهناك نقاد لا نراهم إلا في المناسبات التي ترعاها وزارة الثقافة والإعلام، وهناك نقاد للأندية الأدبية بحسب المناسبة وجاذبية المنطقة، وهناك آخرون ينشطون في الفعاليات الخارجية، بينما الحضور النقدي الموازي للمنتج في الصحافة الثقافية شبه غائب، وأنا أنتقد هؤلاء بالذات. يرى فيك بعض المنتمين للوسط الثقافي نموذجا للأديب" الساخط" دائما الذي لا يعجبه أحد من زملائه، هل تشعر بالظلم والتهميش .. أم ما سبب لغتك الحادة دائما؟ الغريب في هذا الاتهام أنني لا أكتب في الصحافة الورقية بانتظام وليس لي زاوية في أي صحيفة محلية كما أنني لا أخرج في المنتديات الثقافية ولا في القنوات المرئية ولا في أي مناسبة ، فكيف عرفوا أنني ساخط. شخص بهذا القدر من البعد عن المشاركات والفعاليات والإعلام كيف يمكن الجزم بأنه ساخط كما يرى هذا البعض؟ أما إذا كان ما أكتبه في موقعي ب"الفيسبوك" يعده البعض سخطاً على شخص بعينه أو على حدث ثقافي ما، فليس من شأني أن أتدخل بينه وبين رأيه. هل أشعر بالظلم والتهميش؟ لو افترضنا أن هذا صحيح، فإنه لا يمنحني الحق في أن أنتقد الأشخاص لذواتهم أو أن أسخط على المشهد الثقافي لمجرد أنه- إذا صح ذلك- همشني. هذا غير صحيح على الإطلاق، لكني أحاول أن أطرح رأيي دون مواربة في صفحتي الخاصة وفي فضائي الافتراضي. الدعوات الثقافية للفعاليات الخارجية والداخلية .. كثيرا ما تنتقدها لدرجة أن البعض يعتبر ذلك ردة فعل على أنك لم تدع ؟ وكيف يمكن الوصول إلى صيغة مرضية للمبدعين والمثقفين في هذا الإطار ؟ إذا كان انتقادي للدعوات الخارجية والداخلية إنما هو في تصور البعض (أيضاً) ردة فعل على كوني لم أدع، فهذا التصور تختلقه عقليات أظنها بحاجة إلى شرح لكي تفهم في شكل أفضل، أبداً ليس هذا هو السبب، ليس السبب هو أني لم أدع، فالدعوة للمشاركة في فعالية خارجية أو داخلية بالنسبة لي ليست شرفاً ثقافياً يجب أن أقاتل من أجله، بل أنني أعتبرها بالصورة التي حدثت في الماضي (قبل هذا الحوار) جزءاً من لعبة التخادم الفئوي في أوساط الجهات التي تنظم وتدعو وتزكي من تشاء، إنها نتاج حقبة بائسة من ترك الأمور لغير الأكفاء فأصغر موظف في وكالة شؤون الثقافة أو في العلاقات الخارجية بمقدوره الحصول على نصيبه من قائمة الأسماء المرشحة للمشاركة، وعدد كبير من المدعوين لمناسبات ثقافية مهمة كمعرض الرياض ومؤتمر الأدباء يكتفي بالتسكع في أبهاء الفنادق ولا يحضر الندوات، وهناك أسماء تذكرني حالات التقديس التي تخصص لها في كل مناسبة بالطقوس التي يمارسها مقدسو البقر في دلهي، في كل منتدى وكل فعالية وكل حدث ثقافي لابد ان تحضر وإلا اختلفت نكهة الثقافة المحلية كلها. هذا الأمر يفترض أن يكون وراء ظهورنا منذ زمن بعيد، ومن المهم أن يتم التعامل مع جميع المعنيين بالشأن الثقافي والإبداعي بطريقة نزيهة وعادلة. فالكل يعنيه شأن تمثيل الوطن في الخارج بالدرجة نفسها التي تعنيه في الداخل، والرأي الذي يقول إن توزيع نسبة المشاركة يجب أن يكون بحسب حجم المدن وضخامتها، رأي مجحف جداً في حق مدن الأطراف. والطريقة الناجعة في نظري هي أن يتم إنشاء قاعدة معلومات شاملة عن كل المبدعين والمبدعات في الوطن كافة ومن خلالها يمكن استحداث قائمة بالأسماء المشاركة تختلف عما قبلها وما بعدها من قوائم على أن يكون التعامل معها في منتهى الأمانة والإنصاف. تكتب كثيرا عما يمكن وصفه ب"الفساد الثقافي" هل لديك أدلة على وجود فساد في إدارات المؤسسات الثقافية؟ أولاً أنا أستند في رأيي على تقارير ثقافية تصدر من الصحف المحلية وانتقاد السلوك الذي يحتمل شبهة فساد من أي كان لا يستدعي، كما في سؤالك، إحضار دليل. فهذا هو دور "نزاهة" وليس دور الكتاب. لكن هناك أخطاء تقع من قبل بعض المنتمين لوزارة الثقافة والإعلام أكتب عنها في صفحتي بموقع ال"فيسبوك"، كما حدث وسمعنا في موضوع مهرجان الشعر الخليجي الذي نظمه نادي تبوك، فهذا الخطأ لم يكن عفوياً، وقد عالجه وزير الثقافة في ساعته وعدت الأزمة بسلام، فهل نقابله بالصمت أم نصفق له؟ قلت ذات مرة (النادي الأدبي الذي يسيطر على مجلسه دكاترة على رأس العمل الأكاديمي، أو مؤدلجون من أي تيار، أو يخضع لحالة من التبعية المذعنة للسلطة، قلما ينتج وإذا أنتج فنادراً ما يحقق إنتاجه التميز) . أي الأندية الأدبية تقصد؟ بعض الأندية، ولن أسمي، يرأسها "دكاترة" على رأس العمل الأكاديمي، هناك من يعمل في الجامعة نهاراً ويحضر إلى النادي بعض الوقت، ويكون ساعتها مفرغاً من طاقته الذهنية والجسدية، هذا إذا كانت له طاقة في الأصل، فيضطر إلى تحويل النادي لمحطة استرخاء أو "دكة" تشبه مكتب عمدة الحي، يوقع بعض الأوراق ويشرب الشاي، ويتبادل "الخبريات" مع من حضر ثم يذهب إلى داره. سؤالي: أين هو الإنتاج النوعي الذي يمكن أن يفخر به هذا النوع من "الدكاترة" في الأندية التي يديرونها، أو يشتركون في عضوية مجالسها؟. لا أتحدث عن الأمسيات وبعض المحاضرات المتفرقة التي تعمل بروتين مضخة زراعية متداعية، أتحدث عن تحويل النادي إلى مفخرة ثقافية في الحي والمدينة، إلى قبلة للمثقفين والكتاب، وأخص الشباب المبدعين الذين لا يجدون جداراً يستظلون بظله ليبدعوا. من المؤكد أنك تتابع فعاليات مهرجان "الجنادرية" سابقا وحاليا .. ما السر في خلطة "الهيئة" و"الإعلام" و"المهرجان" كل عام؟ .. ومتى في رأيك نخرج بمهرجان لا نقرأ في تغطياته سوى طروحات فكرية تتناقلها وسائل الإعلام بدلا من أخبار" المطاردات"؟ أحد وجوه المشكلة في تصوري يكمن في أن هناك فئات من الشعب تريد الاستمتاع بفعاليات مهرجان الجنادرية، والتقيد بالنظام في الوقت نفسه، وهنك فئة تريد من المهرجان أن يسلمها برامجه بالكيفية التي ترى أنها الأصلح. بمعنى أن تكون هذه الفئة ذات صلاحيات رقابية أعلى من الصلاحيات المعطاة لإدارته المعروفة التي هي الحرس الوطني، وهنا المشكلة. فالمهرجان عمره 28 سنة، ورغم الملاحظات على أدائه الثقافي، فإن مما لا شك فيه أنه أصبح أحد المعالم الثقافية التي تحظى بإقبال كبير، ولم يحدث إلا في السنوات القليلة الماضي أن كان مصدر جدل اجتماعي بهذه الطريقة، وأعتقد أن الجهات المعنية بتنظيم الجنادرية في الحرس الوطني لديها من الحكمة والخبرة ما يكفي لتطويق ردود الأفعال التي لا تتقيد بالأنظمة. أما بخصوص كيف نخرج بمهرجان متميز بطروحاته الفكرية فيفترض أن تتولى اللجنة الثقافية في المهرجان مهمة الالتقاء بالمثقفين والأدباء للاستماع إليهم والوقوف على ماذا يريدون بالضبط ليكون المهرجان في وضع أفضل. ويمكن أيضاً طرح مسابقة على مستوى الوطن موضوعها المهرجان والبحث عن السبل الأفضل المؤدية إلى تطويره خلال السنوات العشر القادمة، وبهذا تكون المشاركة وطنية بقدر ما هي ثقافية. أنت وعدد من الشعراء وأهل السرد .. تكتبون تصريحا أو تلميحا حول دور الروائي يوسف المحيميد في بعض الجوائز أو الفعاليات الثقافية .. ما الدور الذي تتوقع أن المحيميد يلعبه؟ مشكلة يوسف أنه كان في البدء مخلصاً لإبداعه في القصة القصيرة وقد تميز فيها آنذاك ثم ولج فضاء الرواية بموهبة سردية لا غبار على شغفها بالتميز، لكنه في مرحلة من مراحل حضوره السردي نازعته إلى خدمة الكتاب طموحات الناشر الذي يريد الانخراط في صناعة الكتاب المحلي، بالإضافة إلى كونه سارداً. وبموازاة ذلك، وبما أنه يصنف نفسه على أنه روائي عالمي، فقد شرع يبحث عن مكافئ لهذا التصنيف في أروقة العمل الثقافي في الوزارة فكان أن حصل لدار النشر التابعة له على تصريح بطبع كتب تتحمل الوزارة أكلافها المادية العالية، فطبع كتاب انطولوجيا القصة القصيرة، وكتاب "المكان في ذاكرتهم" وكتباً أخرى. الشيء الآخر أنه تم تعيينه عضواً في اللجنة الثقافية لمعرض الكتاب الماضي، وعندما أعلنت الوزارة عن الكتب الفائزة بجائزتها كان كتابه "رحلة الفتى النجدي" أحد الكتب الفائزة فحصل بناء على ذلك على جائزتين، جائزة المؤلف وجائزة الناشر. الآن، وبعد انخراط يوسف نفسه في تشكيل اسمه على هذا النحو الملتبس، فإن من حق أي متابع أن يتساءل ما الذي تبقى من يوسف المبدع؟ وما الذي لم يظهر بعد من يوسف المتكسب من طبع الكتب ومن الحصول على جوائز الوزارة؟