لم يرد مصطلح حق الملكية الأدبية والفنية عند الفقهاء، غير أن بعض الباحثين من الفقهاء المعاصرين أشار إلى حق الإنسان الأدبي فيما ألفه أو كتبه وتحريم نقله وانتحاله، وتحدَث بعض الفقهاء عن هذه الحقوق مرجحاً تسميتها حق الابتكار، وبعض الفقهاء المعاصرين أطلق عليها حق الملكية الأدبية والفنية وبعض الباحثين يسميها الحقوق الأدبية، ويمكن أن تُعرّف حقوق الملكية الفكرية بأنها الصور التي تفتَّقت عنها الملكة الراسخة في نفس العالم أو الأديب أو نحوهما مما يكون قد أبدعه هو ولم يسبقه إليه أحد. ونجد أن بعض الفقهاء المعاصرين يعتبر حق الملكية الأدبية والفنية مصطلحاً يشمل: الإسم التجاري والترخيص وحق التأليف وَغيرها. أما النظام فقد يرد مصطلح حق الملكية الأدبية والفنية على إطلاقات منها حق الملكية الفكرية التي تشتمل كما في الإتفاقيات الدولية على:- - المصنفات الأدبية والفنية والعلمية. - منجزات القائمين بالأداء، ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة - الإختراعات في جميع المجالات. - العلاقات التجارية وعلامات الخدمة والأسماء التجارية. - الحماية ضد المنافسة غير المشروعة. - العلامات التجارية. - المؤشرات الجغرافية والرسوم والنماذج الصناعية. - التصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة. - المعلومات السرية. وتتضمن هذه الحقوق- كما يقول بعض شُراح القانون - سلطات ترمي إلى تحقيق مصلحة معنوية أو أدبية أو مصلحة مالية، فالمصلحة الأدبية تتمثل في الصلة بين الإنسان وإنتاجه، مما يجعل له الحق في نشره بإسمه أو باسم مستعار أو عدم نشره أصلاً، وحمايته من الإعتداء والتحريف، كما له أن يمنع نشره أو سحبه من التداول، وهذه حقيقة الحق الأدبي للمؤلف والمصلحة المالية هي الإفادة مادياً من الإنتاج الذهني بتخويله سلطة استغلال نشره والإلزام بالتعويض عند استغلاله أو الإنتفاع به من قبل غيره، وهذا هو الحق المالي. ويذكر بعض شُرّاح القانون أن السبب في تسمية حق المؤلف في الأنظمة العربية دون تسمية حق الملكية الأدبية والفنية هو تلافي الخلط بين الملكية الأدبية وملكية الأشياء. وورد في نظام حماية حقوق المؤلف الصادر بالمرسوم الملكي السعودي رقم م/11وتاريخ 19/5/1410ه تعريف لبعض المصطلحات، منها: - المصنف حيث عرفه بقوله: المصنف: يقصد به أي عمل أدبي أو علمي أو فني لم يسبق نشره والإبتكار: هو الإنشاء الذي توافرت فيه عناصر الجدة، أو تميز بطابع خاص غير معروف من قبل. وورد في بعض الأنظمة اسم حقوق الملكية الفكرية كما في نظام استثمار المال الأجنبي الصادر في 5/1/1421ه في المملكة في مادته الأولى أنه: "يراد برأس المال الأجنبي في هذا النظام - على سبيل المثال لا الحصر- الأموال والحقوق التالية، وذكر من هذه الأموال والحقوق: "الحقوق المعنوية كالتراخيص وحقوق الملكية الفكرية والمعرفة الفنية والمهارات الإدارية وأساليب الإنتاج". وعرفت الملكية الفكرية بأنها: تلك الملكية المتعلقة بمجموعة من المعلومات التي يمكن تمثيلها في أشياء ملموسة وفي الوقت ذاته بعدد غير محدود من النسخ في مواقع مختلفة في أي مكان في العالم، وأنها ليست ملكية تلك النسخ وإنما ملكية المعلومات التي تعكسها تلك النسخ. وعرف بعض شراح القوانين حق الملكية الأدبية والفنية بقوله: "هو عبارة عن مجموعة المزايا الأدبية والمالية التي تثبت للعالم أو الكاتب أو الفنان على مصنفه". ولكن ما الأحكام التي يسلكها من أراد من المؤلفين أن يحمي مؤلفه من السرقة والضياع؟ هذا الأمر يتجلى في عدة خطوات: أولاً: الإيداع وهو في النظام: وضع نسخة من المصنف في المكتبات العامة أو دور المحفوظات للإحتفاظ بمجموعة منه أو الإحتفاظ به كإثبات لنسبة المصنف إلى مؤلفه ونشر المصنف بالفعل أو تاريخ نشره. وفي المملكة العربية السعودية يكون الإيداع بوضع نسخ من الأعمال الخاضعة للنظام، إذا أعدت للنشر والتداول بين الناس في مكتبة الملك فهد الوطنية مجاناً على سبيل الإلزام" والإيداع خير وسيلة لإثبات حقوق المؤلف الأدبية، خاصة عند التنازع في أحقية كل طرف لفترة ما فيمكن الرجوع إلى النسخ المودعة في المكتبة الوطنية ومعرفة تاريخ نشر كل منها إلى جانب أن الإيداع يساعد على تركيز كل ما ينشر على أرض الوطن من ثقافات في مكان واحد، حفاظاً على الثروة الثقافية ومعرفة المستوى العلمي أو الأدبي أو الفني الذي وصلت إليه الأمة، كما يساعد الباحثين على إتمام رسالتهم العلمية، ويُمَكِّن الجهات المختصة في الدولة من مراقبة كل ما ينشر فيها من ثقافات حفاظاً على النظام العام والآداب العامة. والناظر في التاريخ الإسلامي يجد أن المسلمين في عهودهم الأولى قد عرفوا نظاماً يشبه نظام الإيداع المعروف الآن وأسموه التخليد. وكان أكبر مركز لتخليد المصنفات مكتبة سابور ببغداد، التي أطلق عليها دار العلم، وقد ازدهرت هذه المكتبة ازدهاراً رائعاً. والتخليد لم يكن إجبارياً بل كان اختيارياً وهو من باب السياسة الشرعية التي يحق لولي الأمر أن يلزم بها للمصلحة العامة. ثانياً: التصرف في المصنف: حقوق المؤلف التي تقبل الإنتقال والتصرف كما قررتها الأنظ مة هي: نشر المصنف أو تسجيله أو عرضه أو نقله أو ترجمته، وتقرير ما يتعلق بذلك من شروط أو قيود، وكذا استغلال المصنف مالياً بأي طريقة من طرق الإستغلال المشروعة، كما يحق للمؤلف أن يمتنع عن أي عمل من شأنه تعطيل استعمال الحق المأذون به، ومع ذلك يجوز للمؤلف سحب مصنفه من التداول أو إجراء أي تعديل أو حذف أو إضافة فيه بعد الإتفاق المأذون له بمباشرة الحق. والناظر في رأي الفقهاء المعاصرين يرى أن لهم اتجاهين حيال هذه المصنفات العلمية: الاتجاه الأول: القول بعدم اعتبار هذه الحقوق، وخصوصاً حق المؤلف فيما ألفه، وبالتالي عدم حل المقابل المالي له واستدلوا بما يلي: 1- أن اعتبار هذا الحق يؤدي إلى كتمان العلم وهو أمر محرم. 2- أن العلم يعد قربه وطاعة، والتأليف كذلك، ومن ثم فلا يجوز الاعتياض عنه ولا أخذ المقابل المادي عليه. الاتجاه الثاني: القول باعتبار هذه الحقوق وخصوصاً حق المؤلف، وبالتالي حق المقابل المادي له،وهو رأي أكثر الفقهاء المعاصرين واستدلوا بما يلي: 1- أن الإنتاج الذهني منفعة، والتحقيق أن المنفعة مال عند الجمهور من الفقهاء بل هي الغرض الأظهر من الأموال"إذ لا يحرص الناس على الأعيان ولا يقتنونها ويبذلون الأموال في الحصول عليها إلا لما تجره من منافع"وعلى هذا فإن إنتاج المؤلف يعد من الأموال وتجوز المعاوضة عليه. 2- أن العرف العام جرى على اعتبار حق المؤلف في تأليفه وإبداعه، وهو عرف معتبر حيث لم يصادم نصاً أو أصلاً من أصول الشريعة، كما أن العرف له تأثير كبير في اعتبار مالية الأشياء. وما أثبته الفقهاء من أن المالية إنما تثبت بتمول الناس كافة أو بتقوم البعض، والتقوم يثبت به وبإباحة الإنتفاع به شرعاً، وحق المؤلف مما عده الناس مالاً وتمولوه. 3- الإبداع الذهني أصل للوسائل المادية من السيارة والطائرة والمذياع ونحوها مما له صفة مالية بلا نزاع فلا بد من اعتباران الأصل له صفة المالية من باب أولى. وهذا الإتجاه هو الراجح الذي فيه حفظ لحقوق المنتجين والمبدعين، وهذا الرأي ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي في مكة، حيث قرر في الدورة الخامسة في القرار رقم 43 أن حقوق التأليف والإختراع والإبتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها ولا يجوز الاعتداء عليها. وفي النظام السعودي جاء ما ينص على حق الملكية الأدبية والفنية حيث صدر نظام حماية حقوق المؤلف. والملاحظ على هذا النظام وهو من محاسنه أنه أحاط عنوان المصنف بالحماية متى ما كان متميزاً بطابع ابتكاري. وشمل النظام بالحماية من يقوم بإذن المؤلف بترجمة المصنف إلى لغة أخرى، وكذا من قام بتحقيقه أو تلخيصه أو تحريره أو تعديله أو شرحه أو التعليق عليه بحيث يظهر في شكل جديد، كما تشمل الحماية مؤلفي الموسوعات والمخترعات التي تعتبر أعمالاً فكرية ابتكارية في ترتيبها واختيارها، وهي المصنفات التي يسميها القانونيون: المصنفات المشتقة. ورتب النظام السعودي عقوبات في حالة الإعتداء على حق المؤلف حيث نص في المادة الثامنة والعشرين من نظام حماية حقوق المؤلف على أنه "يعاقب من يعتدي على حق المؤلف بالغرامة بما لا يتجاوز عشرة آلاف ريال أو بإغلاق المؤسسة أو المطبعة بما لا يتجاوز خمسة عشر يوماً أو بهما معاً، إضافة إلى تعويض صاحب الحق عما لحقه من ضرر. وفي حال العود يمكن مضاعفة الغرامة، كما يجوز الحكم بالإغلاق لمدة لا تتجاوز تسعين يوماً، إضافة إلى التعويض المالي لصاحب الحق، كما يجوز الحكم بمصادرة النسخ أو إتلافها، وكذا يجوز إصدار قرار موقت بوقف النشر أو عرض المصنف أو الحجز على نسخة أو صورة حتى الفصل في الموضوع" والنظام السعودي هنا يتوافق مع ما كان يسير عليه المسلمون الأوائل من حفظ الحقوق والحرص على حمايتها، وهذا يتجلى في المظاهر التالية: 1- الأمانة العلمية: حيث توثق النصوص بالإسناد وهو ما يظهر بوضوح في السنة النبوية والآثار، وكذا نسبة القول لصاحبه وذكر ما اعتمد عليه. 2- تحريم الكذب والتدليس: وهذا ما يظهر بجلاء في النصوص الشرعية الصريحة 3- تحريم السرقة والإنتحال. 4-التخليد: وهو ما عرف لديهم من نظام يشبه الإيداع المعروف في هذا الزمن. 5-الجزاءات على الإنتحال والسرقة: وذلك بتعزير الفاعل بالتشهير والنقض عليه بالمثل، إذ يعد من الجرائم التعزيرية التي ليس فيها حد. وعلى هذا فالإعتداء على حق الملكية الأدبية والفنية اعتداء على سمعة المؤلف إجمالاً، وإذا كان حق الملكية الأدبية والفنية مما وقعت المضاربة فيه، وأصبح عملاً تجارياً فإن الاعتداء هنا يكون اعتداء على مجهود الغير"لذا كان لزاماً على الدول قاطبة محاربة مثل هذا الأمر الذي يدل على فقد الأمانة. هل محاكم النقض في الدول العربية هي محكمة التمييز في السعودية؟ كثير من القانونيين فضلاً عن آحاد الناس لا يعلم عن أوجه الاتفاق والاختلاف بين محكمة التمييز في المملكة ومحاكم الاستئناف في الدول الأخرى، والملاحظ انه ليس بينهما اختلاف كبير، وإنما أوجه الاتفاق هي الغالبة. فتجتمعان بان كلتيهما تقوم بتدقيق أحكام المحاكم الابتدائية، والمحاكم العامة والمستعجلة. وأيضاً تجتمعان في أن كلتيهما لا تنظران إلا في الأحكام التي يطلب أحد المتداعين نظرها، بشرط أن يكون الطلب في زمن محدد، فإذا فات الزمن المحدد سقط حق التمييز أو الاستئناف، ويحق لكل منهما النقض أو تصديق الحكم المميز أو المستأنف إذا كان مخالفاً للقواعد الشرعية أو النظامية. هذه هي أوجه الاتفاق بينهما. أما أوجه الاختلاف، فإن محكمة التمييز قبل نقض الحكم تخاطب ناظر القضية بما تلاحظه عليه، وللقاضي في هذه الحالة حق الرجوع عن حكمه أو بعضه، فإذا لم يقتنع بالملاحظة وأصر على حكمه نقض الحكم. أما محاكم الاستئناف فتنقض الحكم دون الرجوع إلى ناظر القضية، وبعد نقض الحكم تنظر محاكم الاستئناف القضية من قبلها. ثم إن محاكم التمييز في حال نقض الحكم من قبلها تعيد القضية إلى قاض آخر للنظر فيها من جديد كما أن محاكم التمييز تنظر من قبلها في القضايا الحقوقية إذا تم نقضها مرتين، لذا فهي تشبه محاكم الاستئناف في هذه الصورة.