النسيان مشكلة شائعة يعاني منها جميع الناس من مختلف الشرائح العمرية، إنما بدرجات مختلفة وفقاً لطبيعة الشخص، فهو يقل عند البعض ويكثر لدى آخرين. إن النسيان الطبيعي أمر ضروري للإنسان، لأنه شكل من أشكال التكيف الذي يسمح للمخ بالاحتفاظ بالمعلومات والخبرات التي تهمه، في حين أنه يعمل على إزاحة الخبرات والمعارف التي لا علاقة لها باهتماماته. وهناك نظريات حول تفسير النسيان الطبيعي، منها: نظرية الانطفاء: وتقول إن النسيان يحدث نتيجة التلاشي التلقائي لآثار الذاكرة، والذي يزداد مع مرور الزمن. نظرية التداخل: التي تفسر أن النسيان يحدث نتيجة دخول معلومات جديدة تحل محل القديمة. نظرية فشل الاسترجاع: التي ترى أن كل ما يدخل إلى الذاكرة الطويلة المدى يبقى حبيساً فيها وأنه ليس من السهل دائماً إخراجه. - نظرية غياب التنظيم في إدخال المعلومات ما يساعد على نسيانها. إن نسيان المواعيد والأسماء والمعلومات التي تزدحم بها ذاكرتنا هو شيء طبيعي إذا كان يقتصر على نسيان بعض الأشياء في مواقف معينة، لكنه يصبح مشكلة حقيقية إذا زاد عن الحد المعقول. ويمكن كل شخص أن ينسى، بسبب الإجهاد والتعب، أو عندما لا يعطي الاهتمام الكافي لموضوع ما، أو نتيجة للمشاكل المتعددة، أو بسبب تشتت الانتباه بين أمور كثيرة، أو عندما يتم التفكير في أكثر من أمر في الوقت نفسه. ويعتبر النسيان طبيعياً إذا حصل من حين إلى آخر، ولا داعي للقلق في شأنه، أما إذا أصبح هو القاعدة، فعندها يمكن القول إنه نسيان مرضي، لأنه يعرقل تكيف صاحبه مع البيئة التي يعيش فيها ويؤدي إلى تفكك الشخصية وإلى خلل على صعيد الحياة النفسية والاجتماعية والمهنية، وفي هذه الحال يستدعي الموضوع المشورة الطبية للبحث عن سبب ذهاب الذاكرة وعن إمكان ترميمها لتعود إلى سابق عهدها أوعلى الأقل وقف تدهورها. المعروف أن دماغ الإنسان يعمل بطريقة مشابهة لعقل الكومبيوتر في رصف المعلومات وتنضيدها في ملفات وفق أهميتها، وأنه خلال عملية التذكر، يتم استدعاء المعلومة من الملف الذي خزنت فيه . أحياناً قد يحصل بعض الفشل في سحب المعلومة من دهاليز المخ، وهذا أمر عادي لا يستدعي القلق، أما إذا حدث استعصاء مستمر في جر المعلومات المدفونة في خبايا الذاكرة، فهذا يدل على وجود مشكلة النسيان. وهناك أنواع عدة من النسيان هي: 1- النسيان العابر، الذي يحدث بعد الإصابة المباشرة في الدماغ. 2- النسيان الحاضر، ويظهر إثر حادث مؤلم أو صدمة. 3- النسيان الشامل لكل المعلومات والخبرات. 4- النسيان المترقي الذي يزداد سوءاً مع الزمن، كما الحال بعد الإصابة بمرض ألزهايمر. 5- نسيان الماضي بسبب تعرض المخ للتلف. 6- النسيان النفسي بعد حدوث أزمات انفعالية نفسية. ما أسباب النسيان المرضي؟ يعتبر مرض ألزهايمر من أشهر الأمراض العصبية المسببة للنسيان، وهو داء يصيب المتقدمين في العمر، ويسبب لهم تآكلاً واضمحلالاً في خلايا المخ، فيفقد المريض ذاكرته، ثم يفقد مقدرته على الكلام . ويبدأ المرض تدريجياً في سن الشيخوخة، وأحياناً قد يبدأ مبكراً في منتصف العمر، وبعد مدة تقصر أو تطول تتطور الحالة بخطى سريعة فيشكو المريض من نسيان الأسماء، ثم يتطور الأمر ليفقد ذاكرة الزمان والمكان، وقد يستطيع تذكر أحداث بعيدة، لكنه لا يعلم أين هو وماذا تناول من طعام قبل دقائق معدودة. ويعتقد العلماء بأن هناك جيناً وراثياً مسؤولاً عن هذا المرض يورثه حامل المرض لذريته. ومن الأمراض التي تتسبب في النسيان الجزئي أو الكلي، حالات الهستيريا، التي ينسى فيها المصاب أحداثاً معينة ويسقطها تماماً من ذاكرته بينما يظل يتعامل مع غيرها بذاكرة قوية. ويحدث السيناريو نفسه المذكور أعلاه عند التعرض لصدمة هائلة لا يمكن الشخص أن يتحملها فلا يجد مناصاً كي يحمي عقله من تأثيرها سوى في شطب الفترة التي تسبقها والتي تليها، وإسقاط هذه الواقعة الأليمة من حياته. ويمكن ارتجاج المخ وإصابات الرأس أن تسبب فقداناً موقتاً للذاكرة يشمل فترة الحادث وما بعدها، فلا يستطيع المصاب وصف ما حدث، ويستمر فقدان الذاكرة هنا لفترة تتراوح بين دقائق وأسابيع أو أشهراً وذلك تبعاً لشدة الإصابة. أيضاً، إن سوء التغذية، خصوصاً نقص بعض الفيتامينات والمعادن وبعض الأحماض الدهنية الأساسية، وتعرض المخ للالتهابات أو الأورام أو الضمور أو تصلب الشرايين يمكن أن يخلق مشكلة النسيان. رب سائل قد يسأل: كيف أعرف أن ما أعاني منه هو النسيان المرضي؟ في الواقع هناك بعض العلامات التحذيرية التي يجب أخذها على محمل الجد، وهي: - نسيان الأمور والأشياء بشكل مباغت وبوتيرة أكثر تكراراً من ذي قبل. - مواجهة صعوبات عند تنفيذ المهام والفشل في استجلاب التفاصيل في طريقة القيام بها، خصوصاً المهام التي اعتاد المرء القيام بها مراراً وتكراراً في حياته اليومية. - مواجهة صعوبات في تعلم أداء مهام جديدة، بدرجة لم يعتد المرء عليها من نفسه. - في حال ملاحظة المحيطين بالشخص أنه أصبح يكرر ذكر أحداث أو رواية قصص معينة. - التحدث بعبارات في شكل متكرر خلال الحديث مع الآخرين. - ظهور صعوبات غير معتادة في التعامل مع المال وكيفية استخدامه، أو في اتخاذ القرارات في الحياة اليومية. - صعوبات في الحفاظ على التسلسل الطبيعي لذكر الأحداث التي تقع في الحياة اليومية. ما العمل للتغلب على مشكلة النسيان؟ قبل كل شيء لا بد من التمييز بين النسيان الطبيعي والنسيان المرضي. إن علاج النسيان الطبيعي يستدعي فقط تهيئة الظروف المناسبة وممارسة نمط حياة يساعد على دعم الذاكرة وتقويتها، والتغذية الجيدة المتوازنة، واستعمال الذاكرة في شكل مستمر، وتجنب الضغوط النفسية، وممارسة النشاط البدني المستمر، والتركيز على المعلومات المراد حفظها وتذكرها، والخلود إلى النوم والراحة بشكل كاف، والابتعاد عن الأشياء التي تضعف الذاكرة، مثل التدخين والمشروبات الروحية والحبوب المنومة وبعض أنواع الأدوية. أما عن علاج النسيان المرضي، فيحتاج إلى إشراف طبي يهدف إلى رصد الأسباب العضوية التي تقف خلفه والعمل على إزاحتها إذا كان ذلك ممكناً، إضافة إلى تطبيق النصائح التي أتينا على ذكرها تواً. إذا كنت تعاني من النسيان وتكثر من الأكل، فحبذا لو اعتدلت في تناول الطعام، لأن كثرته لا تجلب الكسل والنوم والبلادة فقط، بل يحمل معه قصوراً في الذهن وفتوراً في الحواس. وصدق من قال: فإن الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب أقوال مشاهير بعض المشاهير أطلق عبارات عن النسيان بقيت من بعدهم، وأشهرهم: - أفلاطون: العلم ذكُر والجهل نسيان. - جبران خليل جبران: النسيان شكل من أشكال الحرية. - فريدريك نيتشه: قد يتمكن المرء من العيش من دون أن يتذكر كالحيوان، لكن من المستحيل عليه أن يعيش من دون أن ينسى. - ماتيو أرنولد: نحن ننسى لأنه يجب علينا ذلك، وليس لأننا نريد ذلك. - ميلان كونديرا: صراع الإنسان ضد السلطة هو بالدرجة الأولى صراع الذاكرة ضد النسيان. - بنيامين عزرائيلي: أنا لا أنكر أبداً، أنا لا أعارض أبداً، لكنني أحياناً أنسى. عبد الرحمن منيف: النسيان أسهل طريقة للحياة. - زكي مبارك: أحب أن أنسى، لكن أين بائع النسيان.