يجلس وحيداً في الغرفة، يعود في صمت ويرحل في صمت، وجهه القبيح يكرهه، كلما لمحه في مرآة الحمام، يلعن الحارة وأهلها والظلمة ورائحة الغرفة تدخل أنفه، بقايا الطعام وزجاجات وأشياء أخرى يدفنها أسفل الأريكة وينساها. يغلق الباب، يزداد كراهية للآخرين، يندفع بعصبية ناحية الباب فيهدأ ثم يعود وهو لم يدرك بعد نظرته، يحاول أن ينام، ولكن الصوت يخترقه على رغم الحواجز التي بينهما، ينصت للضحكات ورنين الكؤوس، والكلمات، هكذا أنت ولن تكون أكثر من ذلك، يدفن رأسه أسفل الوسادة ويتمنى له الموت، ينسحب في هدوء، يتطلع إليه من ثقب صغير في الباب، يلمحه - جسده المنكسر - قطعة لحم بارد، متكور برأس ثقيل مُلقى فوق صدر نحيل، يعود للغرفة وقد طار النوم من عينيه. كيف يحصل هذا السكير على النقود على رغم عجزه الشديد؟ كلما ألح الرجل على ذاكرته، ازداد بُغضاً لنفسه، رحل مع أول خيوط الربيع، تحمله العربة التي صنعها لنفسه، قطعة من خشب ذات عجلات أربع حديد، يلقي جسده عليها ويضرب الأرض فتسير تتبعه حتى اقترب من ميدان مملوء بماسحي الأحذية والباعة، استند إلى سور نفق المترو، الأقدام تدوسه، تتجاهله إلا جاره الذي يتابعه ببصره الحاد. يسلط عينيه على العلم الأميركي فوق المبنى الأصفر، يزحف في ظل عربة تقف في انتظار، لكن المرآة المثبتة في جسم العربة تعكس وجهه القبيح فينتقل بين السيارات مختلفة الألوان ويتسرب من بين أرجل المارة، يبحث عن الظل فوق المقاعد الخشبية، يلمح البنات وهن يرمين راحتهن فوق صدور الأولاد، يبتسم ويريح جسده من العربة قليلاً، يفرد ساقيه أمامه، هي كذراعيه، نحيلة وقصيرة، يمر بين المقاعد، وجهه القبيح يفزع الآخرين فيتركون الأمكنة، يتطلع إليهم فيلمح من بينهم جاره، أحس أن الهواء الذي يملأ الفراغ بينه وبينهم لا يكفي لتنفسه، عاد مرة أخرى يدور بين السيارات التي تقف في الانتظار يتأمل نفسه طويلاً. حتى غابت ملامحه. وغابت الشمس، وخلال الموقف من السيارات بينما الضابط يقف وسط جمع غفير من الناس. - حد عارف صاحب الجثة دي؟ وقف جاره يتطلع إليه ويبكي، عاد للحارة، توقف أمام باب الغرفة، أزاحه للمرة الأولى، وقع بصره على أشيائه الصغيرة وعلى مطرقة وسندان كان يستعملهما في صناعة الأحذية.