في التقرير التقويمي الخامس للفريق الدولي للتغير المناخي الصادر الشهر الماضي، وهو آخر تقرير للفريق قبل وضع معاهدة المناخ الجديدة عام 2015 التي سترث بروتوكول كيوتو، يعكس نطاق التوقعات أربعة سيناريوات تتباين في ما بينها في شأن الانبعاثات المتراكمة المفترضة من غازات الدفيئة بين 2012 ونهاية القرن. وتتناقص الانبعاثات المفترضة بمقدار كفاءة الإجراءات التي قد تتخذ لخفضها. ويؤكد التقرير "أن استمرار انبعاثات غازات الدفيئة سيؤدي إلى زيادة ارتفاع الحرارة والى تغيير في كل مكونات النظام المناخي، وأن الحد من التغير المناخي يتطلب تخفيضات كبير ومستمرة في انبعاثات هذه الغازات". ويتوقع التقرير، بدرجة عالية من اليقين، ان يتراوح التغير المحتمل في حرارة الجو بين 1.5 و4.5 درجة مئوية. ويرجّح ان يشبه النمط المكاني للتغير المناخي للعقود القليلة المقبلة ذلك المتصور نهاية القرن ولكن بأحجام أقل. أما بالنسبة إلى التغيرات المتوقعة في دورة المياه العالمية بحلول نهاية القرن، فيتوقع ان لا تكون متشابهة حول العالم، إذ سيزداد الفارق بين المناطق الممطرة والمناطق الجافة ولكن مع بعض الاستثناءات. هذا في شكل عام، فماذا عن البلدان العربية؟ يتوزع العالم العربي على منطقتين من المناطق الرئيسة لنموذج المناخ العالمي، إذ تقع بلدان شمال أفريقيا في المنطقة التي تشمل بلدان حوض البحر المتوسط والجزء الشرقي من وسط أوروبا وشمالها. أما المنطقة الثانية فهي منطقة غرب آسيا التي تمتد من الساحل الشرقي للبحر المتوسط حتى الأطراف الغربية لمنطقة جنوب آسيا، وتغطي منطقة الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية. تشير التوقعات إلى ارتفاع الحرارة في منطقة حوض المتوسط عبر فصول السنة. أما بالنسبة إلى الأمطار، فيتوقع التقرير انخفاضاً بسيطاً أو لا تغير في المعدل المتوسط للأمطار خلال النصف الشتوي من العام تشرين الأول/أكتوبر إلى آذار/مارس. أما في النصف الصيفي نيسان/أبريل إلى أيلول/سبتمبر فيُتوقع انخفاض ملحوظ في الأمطار لهذه المنطقة. ويشير التقرير إلى تحسن تحقق في النماذج الخاصة بهذه المنطقة، ولكن التباين بين نتائج هذه النماذج يبقى واسعاً نظراً إلى الاختلاف الكبير في السمات الطبيعية بين مناطقها الفرعية من جهة، والى ضعف كفاءة هذه النماذج من جهة أخرى. خلاصة الأمر، هناك ثقة عالية بتوقعات النماذج المتعلقة بمتوسط الحرارة لهذه المنطقة والتي يحتمل جداً ان تستمر في الارتفاع على مدى القرن الجاري. وعلى صعيد آخر، يُتوقع لتواتر الموجات الحرارية وقوتها وفتراتها ان تزداد في كل أرجاء المنطقة. أما الأمطار فيُتوقع للمتوسط السنوي لهطول الأمطار ان يرتفع في وسط أوروبا وشمالها، في حين يشهد المتوسط الصيفي للأمطار انخفاضاً في منطقة حوض البحر المتوسط. يشير التقرير إلى ان قدرة النماذج على محاكاة التغيرات المناخية في منطقة غرب آسيا تحسنت منذ صدور التقرير الرابع. ولكن المنطقة تخضع لمؤثرات مناخية متعددة آتية من أوروبا وآسيا وأفريقيا، إذ يبقى تحليل هذه المؤثرات فقيراً في أدبيات المناخ العلمية. وبالنسبة إلى توقعات التقرير لمنطقة غرب آسيا، يُرجح للحرارة ان ترتفع خلال القرن في كل الفصول، بينما يشهد نمط الأمطار تغيرات واضحة ولكنها مرتبطة بالمناطق الفرعية والفصول. لكن التقرير يتوقع لمعدل الأمطار ان ينخفض في كل الفصلين الشتوي والصيفي. إلا ان تداخل المؤثرات الديناميكية على معدل الأمطار في المنطقة يضعف اليقين في أنماط التغيرات وأحجامها في هذا المعدل، وذلك بسبب عدم قدرة النماذج الحالية على محاكاة هذه المؤثرات ونتائجها. أما التوقعات بانخفاض معدل الأمطار في المنطقة المجاورة لساحل البحر المتوسط، وارتفاع المعدل في المناطق الداخلية الواقعة على خطوط العرض الوسطية، وكذلك توقع زيادة الأمطار في الأجزاء الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، فتفتقر إلى الثقة. واضح ان النماذج الخاصة بالمنطقة ما زالت دون المستوى المطلوب لتعزيز الثقة بالتوقعات. ويعود هذا إلى كون الاهتمام بموضوع التغير المناخي في الدول العربية ما زال دون المطلوب. يجب ان يأتي الاهتمام من مراكز البحوث والدراسات مقروناً بالدعم المادي والمعنوي من القطاعات الحكومية والخاصة، إذ ان تأمين هذه القدرات على الصعيدين القطري والوطني ضروري لوضع الاستراتيجيات ورسم السياسات الهادفة إلى التكيف مع التغيرات المناخية ولجمها، فضلاً عن أهمية ذهاب دول المنطقة إلى المفاوضات المرتقبة حول معاهدة المناخ مسلحة بالبيانات والدراسات الداعمة للمواقف التفاوضية المنسجمة مع مصالحها. كاتب متخصص بشؤون الطاقة والتنمية