التاسع والعشرون من تشرين الثاني نوفمبر وكأن هذا التاريخ يصر على أن يشكل علامة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، فقبل 65 عاماً كان قرار التقسيم، وبعد ذلك كان اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، واليوم يحمل هذا التاريخ شهادة ميلاد الدولة الفلسطينية العتيدة، هذه الدولة التي انتزعت اعتراف العالم باستثناء أميركا وإسرائيل وكندا وبضع دول لا تظهر على الخريطة، في استفتاء واضح على أن الوقت حان ليكون للفلسطينيين دولتهم وعلمهم ووجودهم على الساحة الدولية. الشعب الفلسطيني هو البطل الحقيقي لهذه الملحمة السياسية التي خاضتها قيادته بحنكة وشجاعة، ضاربة عرض الحائط كل الضغوط والتهديدات الإسرائيلية والأميركية، وتمسكت بأحلام وتطلعات شعبها ولم تخضع، فكانت الصلابة في الموقف والإرادة التي أجبرت العالم على الاعتراف بدولة فلسطين. الشعب الفلسطيني قدم الكثير من الدماء والأرض المحروقة والبيوت المدمرة وعطاء المقاتلين والمقاومين وحنكة السياسيين، كل ذلك في لوحة متكاملة ومسيرة متواصلة لم تكل، فالطريق معالمه واضحة واستحقاقاته معروفة وحلم الدولة يستحق الكثير، فكان العطاء ونتيجة لهذا العطاء كان الاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب في الأممالمتحدة، هذا الانتصار الذي جاء متكاملاً مع انتصار عسكري على إسرائيل في حرب غزة، ومن هنا يحق للشعب الفلسطيني أن يفخر بمقاومته وبقيادته السياسية اللتين أذاقتا إسرائيل طعم الخسارة المريرة على المستوى العسكري والسياسي. الاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب في الأممالمتحدة ليس نهاية الطريق، لكنه خطوة قوية وراسخة على بداية طريق الدولة الفلسطينية كاملة السيادة، فهذا الاعتراف يعني أن الصراع انتقل من مربع أراض متنازع عليها إلى وقوع دولة تحت احتلال عنصري كولونيالي، ما يعني أن من حق دولة فلسطين اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للمطالبة بحقوقها، وكذلك من حق دولة فلسطين اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاسبة القادة الإسرائيليين على كل الجرائم المصنفة كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما يعني وضع حد للمجازر اليومية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني وتوفير الحماية له تحت مظلة القانون الدولي. لقد عمدت إسرائيل، فور صدور القرار، الى اتخاذ إجراء هو بمثابة إعلان إفلاس سياسي جديد، اذ أعلنت عن البدء بإقامة 3000 وحدة استيطانية جديدة في القدسوالضفة الغربية. وعلى جانب آخر هدد سيلفان شالوم نائب نتانياهو بفرض السيطرة العسكرية على الضفة الغربية، أما أيالون فهاجم الدول المصوتة لمصلحة قرار عضوية فلسطين وقال إن هذا القرار لن يغير من الأمر شيئاً، هذه الإجراءات والتصريحات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين تأتي في إطار التحدي السافر والوقح للشرعية الدولية، هذه الشرعية التي منحت اسرائيل الوجود من خلال قرار التقسيم في العالم 1947، وتعكس في الوقت نفسه مدى تخبط اسرائيل. المطلوب فلسطينياً وبأقصى سرعة استثمار هذا النصر السياسي والبدء في اجراءات نيل عضوية محكمة الجنايات الدولية، وتكريس هذا القرار في المحافل الدولية، والبدء في المرحلة المقبلة لنيل العضوية الكاملة على طريق استقلال فلسطيني بسيادة كاملة غير منقوصة. أما داخلياً فالمطلوب تحقيق المصالحة الداخلية وإنهاء حال الانقسام، وكلنا لاحظ في خطاب مندوب اسرائيل إشارته إلى الانقسام ومحاولته استغلاله للتقليل من أهمية الرئيس أبو مازن والتأثير على الدول بالقول ان الرئيس الفلسطيني لا يفرض سيطرته على غزة. لكن خاب مسعاه فغزة جزء أصيل من فلسطين ولن تكون كياناً منفصلاً. وغزة بفصائلها كافة وقفت خلف توجه الرئيس عباس وباركت الانتصار الذي تحقق. من جانب آخر يجب تكريس المقاومة التي حققت نصراً عسكرياً مهماً على إسرائيل في تكامل مع النصر السياسي، فالإنسان الفلسطيني قادر على المزاوجة بين المقاومة بكل أشكالها وبين الوسائل السياسية والديبلوماسية لانتزاع كامل الحقوق واستكمال الحلم الفلسطيني. عماد مخيمر - بريد الكتروني