ستبقى النقاشات الجارية في اللجان النيابية المشتركة حول قانون الانتخاب الجديد في لبنان خاضعة، كما يقول عدد من النواب المنتمين الى الأكثرية والمعارضة، للمزايدات بين رئيس"تكتل الإصلاح والتغيير"النيابي ميشال عون وبين رئيس حزب"القوات اللبنانية"سمير جعجع على من يؤمّن للمسيحيين تقسيماً للدوائر الانتخابية يمكّنهم من انتخاب غالبية نوابهم بأصوات مسيحية من دون أن يتأثر بأصوات المسلمين. ويؤكد النواب ان النقاش الذي دار في الجلسة الأولى للجان المشتركة أول من أمس فسح المجال أمام انتقال حرب الإلغاء الانتخابية بين"التيار الوطني الحر"وحزب"القوات"من الشارع المسيحي الى البرلمان على رغم انها ما زالت مضبوطة ولن تخرج، حتى الساعة، عن السقف السياسي المرسوم لها. ويعتقد هؤلاء أن الهاجس الوحيد لكل من عون وجعجع يكمن في من يحرز السباق في استرضاء الشارع المسيحي من جهة وفي خطب ود البطريرك الماروني بشارة الراعي من جهة ثانية، وأنهما يرغبان في تمرير رسالة مفادها عدم التفريط بالصوت المسيحي في الانتخابات النيابية المقررة في ربيع العام 2013 من خلال رفضها تذويب هذا الصوت في البحر المسلم الذي تتشكل منه غالبية الأصوات. ويضيف النواب ان"تكتل التغيير"انسحب من تأييده لمشروع القانون الذي أعدّته الحكومة باعتماد النظام النسبي وزيادة عدد النواب من 128 نائباً الى 134 لمصلحة تبنيه اقتراح القانون المؤيد بلا تحفظ للمشروع الأرثوذكسي والذي تقدم به النائبان آلان عون ونعمة الله أبي نصر في مواجهة اقتراح القانون الآخر الموقّع من نائبي الكتائب سامي الجميل و"القوات"جورج عدوان والنائب المستقل في 14 آذار الوزير السابق بطرس حرب، وينص على تقسيم لبنان الى 50 دائرة انتخابية ويتيح للمسيحيين انتخاب 56 نائباً مسيحياً بعيداً عن تأثير أصوات المسلمين. ويلاحظ النواب ان زملاءهم الجميل وحرب وعدوان، انطلقوا في اقتراح القانون الخاص بهم من المشروع الأرثوذكسي الذي يتيح لكل طائفة انتخاب نوابها، وعمدوا الى تطويره باتجاه توفير الفرصة للمسيحيين لانتخاب ممثليهم الى البرلمان. ويرى النواب في الأكثرية والمعارضة أن عون و"القوات"يتنافسان حالياً على من ينجح في إقناع اللجنة المنبثقة من الاجتماع الماروني الموسع في بكركي في تبني مشروعه الانتخابي من دون أن يبادرا الى دراسته ملياً مع حلفائهما. ويؤكد هؤلاء أن الرفض برز من خلال اعتراض رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس"جبهة النضال الوطني"وليد جنبلاط على أي من المشروعين فيما المواقف داخل كتلة"المستقبل"بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ما زالت متفاوتة بين عدم الممانعة والتحفظ، إضافة الى ان نواب"اللقاء الديموقراطي"الذي يضم مروان حمادة وفؤاد السعد وأنطوان سعد وهنري حلو كانوا قالوا كلمتهم برفضهم اعتماد النظام النسبي في ظل هيمنة السلاح وباعتراضهم الشديد على الدوائر الصغرى باعتبارها تساهم في جر البلد الى مزيد من التفتيت المذهبي والطائفي. ويشيرون أيضاً الى أن كلاً من عون وجعجع يتنافسان من خلال مشاريعهما المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية على من ينجح في الوصول الى البرلمان بأكبر كتلة نيابية، علماً أن عون يحتفظ لنفسه بتأييد النظام النسبي وبأن لاعتراضه عليه علاقة مباشرة باقتراح منافسيه في الشارع المسيحي تقسيم لبنان الى دوائر انتخابية صغرى ليقطع عليهم الطريق في المزايدات القائمة في الشارع المسيحي. معركة الدوائر الصغرى ويرى النواب أن عون وجعجع يتساويان في عدم تأييد الأكثرية النيابية لمشروعيهما الانتخابيين وأن رهان الأخير على قدرته، بالتعاون مع"المستقبل"، على بلورة موقف جنبلاط لمصلحة تأييد الدوائر الصغرى لم يكن في محله، وأن رفض"جبهة النضال"جاء عبر الوزير غازي العريضي بعد اجتماعه وزميليه وائل أبو فاعور وعلاء الدين ترو مع بري في عين التينة. ناهيك بأن"المستقبل"ما زال يعكف على دراسة مشروع الدوائر الصغرى ولم يلتزم حتى الساعة، وفق النواب، موقفاً مؤيداً يشجع جعجع على المضي في معركته في الشارع المسيحي. وفي السياق، علمت"الحياة"من مصادر نيابية أن موقف رئيس كتلة"المستقبل"الرئيس فؤاد السنيورة كان واضحاً عندما أعلن من بكركي بعد مقابلته البطريرك الراعي أن لا مانع لديه من البحث في الدوائر الصغرى لتبديد هواجس المسيحيين ومخاوفهم، شرط ألا تثير في المقابل هواجس فريق آخر. ووفق المعلومات، فإن"المستقبل"ماض في مراعاة الخصوصية المسيحية في الانتخابات النيابية وعازم على تبديد قلق المسيحيين وهواجسهم، لكنه في المقابل لا يريد أن يوجد هواجس في مكان آخر، ليس في إشارة الى جنبلاط فحسب، وإنما الى جمهوره الذي يمر في حال من الترقب والحذر، لا سيما ان بعض النواب لم يقتنعوا بما فيه الكفاية بالدراسة التي أعدّها"المقص"الانتخابي للنائبين عدوان والجميل وفيها ان الدوائر الصغرى تؤمّن لقوى 14 آذار الفوز في الانتخابات المقبلة بأكثر من 62 مقعداً ما عدا المقاعد التي ستفوز بها جبهة النضال. وتبيّن أن فريق الإعداد التابع لحزبي الكتائب و"القوات"أعد دراسته انطلاقاً من النتائج التي حملتها الانتخابات النيابية في دورتها الأخيرة وأسقطها على الدوائر الصغرى من دون أن يتأكد مما إذا كان مزاج الناخب المسيحي قد تبدل أو بقي على حاله. ومع ان حزبي"القوات"والكتائب يتوخيان من خلال اعتماد الدوائر الصغرى الحد من ارتهان التمثيل المسيحي في البرلمان لأصوات المسلمين، فإنهما يواجهان واقعاً لا مفر منه يتعلق بعدم قدرتهما على إقناع الأكثرية النيابية بتأييده حتى لو افترضنا ان"المستقبل"سيقترع لمصلحته في نهاية المطاف. ويحاول جعجع أن يتدارك المأزق الناجم عن عدم ضمان تأييد الأكثرية له، طالما أن لا أمل في إقناع جنبلاط بتعديل موقفه وهو بدأ يلوح باحتمال العودة الى تبني النظام النسبي مع إدخال بعض التعديلات على تقسيم الدوائر الانتخابية الوارد في مشروع الحكومة. لكن تلويح جعجع بذلك ما هو إلا بمثابة تهديد بالتمرد على بعض قوى المعارضة لعله يستقدم وساطة جديدة، وفق النواب، لإقناع جنبلاط بإعادة النظر في موقفه على خلفية أنه أول المقاتلين ضد النظام النسبي. ويجيب النواب في معرض الرد على السؤال عن بدائل بأن لا مانع لدى بعض قوى المعارضة وتحديداً"المستقبل"من الدخول بمفاوضات لتعزيز حصة"القوات"في التحالفات الانتخابية إذا كان ثمنها الحصول على مقعدين أو ثلاثة إضافية. ويسأل هؤلاء: ما النفع السياسي الذي يجنيه جعجع من حصوله على مقاعد إضافية في مقابل إضعاف"المستقبل"في حال تقرر اعتماد الدوائر الصغرى وبالتالي عدم قدرة المعارضة على تأمين الأكثرية في البرلمان؟ ويضيفون:"كيف يمكن المعارضة مجتمعة تحقيق الفوز الذي يضمن لها الأكثرية طالما ان الدوائر الصغرى ما هي إلا مربعات انتخابية من شأنها ان تساهم في إفقاد البلد ما تبقى له من مناعة؟ وهل في مقدور المعارضة اقناع جنبلاط بالموافقة على تقسيمات قد تؤدي الى تحجيمه لئلا نقول إن المطلوب منه ان يحل ضيفاً انتخابياً في الشوف لا تأثير له في مجريات العملية الانتخابية فيها على رغم ان هذه التقسيمات تحاول ان تقدم له"رشى"سواء من خلال تقسيم قضاءي حاصبيا ? مرجعيون أم عبر تجزئة قضاءي راشيا ? البقاع الغربي الى دائرتين. الاستحقاق والرئيس الجديد ويسأل النواب أيضاً عن مصلحة جعجع في انكفاء الحريري عن التأثير في العملية الانتخابية، وهل تقسيم الدوائر التي يتمتع فيها بثقل انتخابي يمكنه من حسم المعارك في وجه منافسيه؟ ويضيفون ان أي قانون انتخاب يجب أن يكون على قياس الحلفاء المجتمعين، ويؤكدون ان"حزب الله"وبري يدعمان النسبية ويعتبران ان اعتمادها يسمح لهما، بالتعاون مع حلفائهما، بالفوز بالأكثرية. ويرى النواب ان"حزب الله"يرفض إعادة الاعتبار الى قانون 1960 مع انه لا يضر انتخابياً بعون وأن رفضه يقوم على تقديره ان هناك استحالة في تقليص نفوذ"المستقبل"في البرلمان، بينما يراهن جعجع على ان الدوائر الصغرى تضعف عون بخلاف القانون الحالي الذي ما زال نافذاً في حال تعذر التفاهم على قانون جديد. لذلك يعتبر هؤلاء ان النتائج لا تحتسب بالمفرق وإنما بالجملة، وأن من يدقق في الدوائر الصغرى لا يرى فيها إمكاناً لفوز المعارضة بأكثرية المقاعد النيابية، وبالتالي يفترض بالحلفاء أن يأخذوا في الاعتبار ضرورة الركون الى حسابات دقيقة، وأن أمام المعارضة المسيحية فرصة لخوض معاركها في بعض دوائر جبل لبنان إذا كانت تريد إضعاف عون، بدلاً من أن تفتعل مشكلة طالما انها غير قادرة على تغيير ميزان القوى في البرلمان لمصلحة الدوائر الصغرى. كما ان"المستقبل"الذي يصر على مراعاة حلفائه المسيحيين وتعزيز حضورهم في البرلمان، يتردد في خوض معركة خاسرة في ظل ثبات جنبلاط على موقفه وهو يكشف أمام زواره انه تفاهم مع الحريري في اجتماعهما في باريس على رفض النسبية وأن الفرصة متاحة لإدخال تعديلات على قانون 1960 بما يسمح بتبديد هواجس المسيحيين. وعليه، هل تقود حرب الإلغاء بين عون وجعجع الى اعادة الاعتبار لقانون 1960، أم ان تلويح"حزب الله"في جلسة اللجان بضرورة إجراء الانتخابات على أساس قانون جديد، سيضع علامة استفهام كبرى حول مصير هذا الاستحقاق الدستوري الذي من خلاله يمكن تظهير صورة رئيس الجمهورية الجديد عام 2014؟