بعد أسبوع من الترقب والتكهنات والتسريبات المتضاربة، أعلنت اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة في مصر فوز مرشح جماعة"الإخوان المسلمين"محمد مرسي بمنصب الرئيس بعد حصوله على 13 مليوناً و230 ألف صوت، أي 51.73 في المئة، فيما حصل منافسه المحسوب على المجلس العسكري الحاكم الفريق أحمد شفيق على 12 مليوناً و347 ألف صوت بنسبة 48.27 في المئة. وقال رئيس اللجنة العليا للانتخابات المستشار فاروق سلطان في مؤتمر صحافي عقد أمس لإعلان النتائج إن اللجنة وأعضاءها يهنئون الرئيس المنتخب، مشيراً إلى أن إجمالي عدد الأصوات الصحيحة في الانتخابات بلغت 25 مليوناً و577 ألفاً و 311 صوتاً والأصوات الباطلة 843 ألفاً و252 صوتاً، من إجمالي 50 مليوناً و958 ألفاً و 794 ناخباً مقيدين في الجداول الانتخابية، وبذلك تخطت نسبة الاقتراع 51.8 في المئة. وكانت قوات الحرس الجمهوري وصلت منزل مرسي في ضاحية التجمع الخامس القاهرية قبل إعلان نتيجة الانتخابات. وأفيد بأن الرئيس المنتخب تابع إعلان نتيجة الانتخابات تحت حراسة قوات الحرس الجمهوري التي تولت إجراءات تأمينه وتابعت ترتيبات مؤتمر صحافي يُفترض أن يكون مرسي عقده مساء أمس. وفور إعلان النتيجة، هنأ رئيس المجلس العسكري وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ونائبه قائد الجيش الفريق سامي عنان الرئيس المنتخب، كما هنأه رئيس الوزراء كمال الجنزوري الذي ينتظر أن يقدم استقالة حكومته خلال أيام وشيخ الأزهر أحمد الطيب. وفي أول رد فعل له على النتيجة، حيا مرسي"قضاء مصر الشريف، ورجال الجيش الذين حموا الانتخابات بكل ديموقراطية وشرف". وقال في تغريدة على موقع"تويتر":"تحية إجلال وتقدير لقضاء مصر الشريف العادل كما عهدناه ولرجال الجيش والشرطة البواسل الذين حموا العملية الديموقراطية بكل شرف، ومبروك لشعب مصر". وأعلنت جماعة"الإخوان"انتهاء ارتباط مرسي بها وبحزبها"الحرية والعدالة"الذي كان يترأسه. وفي محاولة لاحتواء التوتر السياسي السائد في البلاد، أكد الناطق باسم الجماعة محمود غزلان ل"الحياة"أن الأزمة السياسية الناشئة عن الإعلان الدستوري المكمل ومحاولة العسكر تقليص صلاحيات الرئيس"لا تحل إلا بالتفاوض العقلاني". وقال غزلان إن"النتيجة فضل من الله، لقد أثبت الشعب المصري حرصه على ثورته وعلى حمايتها وتحقيق أهدافها ومطالبها وأنه يريد إنشاء نظام جديد صالح بدلاً من النظام البائد... المصريون متمسكون بالقيم الإنسانية مثل الحرية والديموقراطية المواطنة والعدل والدليل انحيازهم إلى ممثل الثورة". ورداً على سؤال عن فوز مرسي بفارق ضئيل عن شفيق وعما إذا كان دليلاً على أن أقل من نصف الشعب يرفض مرسي، أجاب:"بعد فترة الكل سيعلم كيف نال شفيق هذه الأصوات، بعد أن تستقر الأمور وتفتح الملفات سنعرف من أين جاءت هذه الأصوات". وعن توقعات الصراع بين"الإخوان"والعسكر بسبب صلاحيات الرئيس، قال:"الإخوان أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الشعب وهم كأي فصيل في المجتمع نزلوا إلى الميادين احتجاجاً على أمور كثيرة منها حل البرلمان والإعلان الدستوري ومنح ضباط في الجيش سلطة الضبطية القضائية للمدنيين ومنح المجلس العسكري الحق في تعيين جمعية تأسيسية للدستور وأن يتولى بمفرده تسيير شؤون الجيش والصلاحيات المنقوصة للرئيس... الجماهير تريد رئيساً كامل الصلاحيات، ومن هنا خرجوا للشوارع ومعهم الإخوان". وأضاف أن مرسي"أصبح رئيساً لمصر بعد أن صوت له الإخوان وآخرون، ومن ثم على العسكر تسليم السلطة كاملة، وأرجو ألا يحدث صدام على الإطلاق مع أي طرف، فهذه المشكلات لا تحل إلا بالتفاوض وبطريقة وطنية وحضارية". وتابع أن"قضية الصدام منتفية من قاموس الشعب المصري، كما أن الجيش المصري والمجلس العسكري عاقل ولن يدخل في صدام مطلقاً مع شعبه، وبالتالي الخلاف على صلاحيات الرئيس لو تم التفاوض في شأنها بطريقة حضارية سيتم الوصول إلى حلول ترضي الكل، والأكيد أن الأمور لن تبقى على ما هي عليه الآن، فلا أحد يتحمل استمرار هذا التوتر وأن تظل مصر محشورة في نفق مظلم". من جانبه، قال الناطق باسم حملة مرسي أحمد عبد العاطي إن"العالم يشهد الآن أن أكبر دولة عربية أثبتت أنها يمكن أن تختار زعيمها بحرية"، مضيفاً في مؤتمر صحافي عقده فور إعلان النتيجة شهد صخباً وتصفيقاً ابتهاجاً بفوز مرسي أن الحملة"تتوجه بالشكر لكل الحركات الثورية التي اصطفت خلف الرئيس، خصوصاً حركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وحملة الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح وحملة حازمون وحمدين صباحي وكل الشعب المصري في الداخل والخارج الذين حمو الثورة بوقفهم خلف مرشح الثورة". وأكد أنه"لم يتم تحديد أي شخص لتولي منصب داخل مؤسسة الرئاسة حتى الآن، ولكن الرئيس سيخرج خلال ساعات وسيقوم خلال الفترة المقبلة بوضع اللمسات النهائية لشكل مؤسسة الرئاسة". وكان رئيس لجنة الانتخابات دافع عن اللجنة وأدائها بعد أن عرض بعض المعوقات التي واجهتها طوال الأشهر الماضية. وقال سلطان:"كان أملي وأمل جميع أعضاء اللجنة أن يكون اليوم يوم احتفال بحصاد ما غرسه شعب مصر العظيم، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد جاء يوم الحصاد الذي نربو إليه جميعاً على خلفية أجواء من التوتر والشحن"، مضيفاً:"كنت أتمنى أن يكون اليوم يوم عيد واحتفال لشعب مصر العظيم الذي أثبت في مواضع الاختبار أنه كفء لكل تحد وأبهر دوماً القاصي والداني بكل ما تخطه يداه وتشيده سواعده متخذاً من حضارته العريقة ومجده التليد تكأة ودعامة لبناء مستقبله المشرق، كنت أتمنى أن يتم إعلان النتائج اليوم في أجواء احتفالية لا يعكر صفوها شيء". وقال إن"اللجنة وضعت نصب أعينها مصالح البلاد ورضاء شعبنا العظيم مقصداً وهدفاً ومبتغى، وواجهت منذ اللحظة الأولى وقبل أن تبدأ عملها حرباً شعواء وحملات تخوين وتشكيك شنتها العديد من القوى السياسية المختلفة ترميها إفكاً وبهتاناً بكل نقيصة لمحاولة إضفاء أجواء من التشكيك والارتباك على المشهد الانتخابي برمته كي تجعل اللجنة دوماً في موقف المدافع، لعرقلتها عن التفرغ لإدارة العملية الانتخابية بالحيدة والتجرد اللائقين بشيوخ القضاة... حاول البعض التشكيك في أعضاء اللجنة وأطلقوا الأكاذيب والأراجيف ودأب البعض على الاعتراض على قراراتها متخذاً من صفحات الجرائد ومنابر الإعلام طريقاً للاعتراض من دون أن يسلك الطريق الذي رسمه القانون". وقال:"نفذ البعض حملات ممنهجة لخلق مناخ كاذب يوحي بالتزوير إذا لم يفز من أرادوا فوزه، ووسط هذه الأجواء العاصفة جميعها بدأت اللجنة عملها واستمرت مترفعة عن كل هذه الصغائر، لم تدع شيئاً يشغلها عن أداء عملها أو يعرقل سيعها الحثيث لتحقيق آمال مواطنينا". وشدد على أن اللجنة"طبقت أحكام القانون حينما فحصت أوراق المرشحين فقبلت من قبلت واستبعدت من استبعدت وفقاً لما رأته متفقاً وأحكام القانون ولا شيء سوى القانون، ونحن لا نخشى وعيداً ولا نرتجي وعداً". وأوضح أن اللجنة تلقت 456 طعناً من المرشحين عرض أهمها، مشيراً إلى أنها في مجملها لم تؤثر في نتائج الانتخابات. ولوحظ أن غالبية هذه الطعون أسفرت عن تغييرات طفيفة في تجميع أرقام بعض اللجان بالزيادة أو النقصان لكلا المرشحين. وأوضح أن أهم الطعون تمثل في الحديث عن تسويد بطاقات اقتراع في إحدى المطابع ومنع مسيحيات في إحدى لجان الصعيد من الاقتراع، لكن"ثبت أن 2154 بطاقة اقتراع فقط تم تسويدها ولم يثبت أن أياً منها أو غيرها وصل إلى صناديق الاقتراع إلا حالة واحدة تم استبعاد الصندوق الذي وضعت فيه". أما شكوى منع مسيحيات،"فثبت أن اللجان المعنية غالبية ناخبيها من المسلمات وأن أحداً لم يصوت فيها في الجولة الأولى من الانتخابات وكذلك في انتخابات البرلمان بغرفتيه". وكان المرشح السابق في انتخابات الرئاسة محمد سليم العوا أول مرشح سابق يهنئ مرسي. وخاطب شفيق قائلاً:"هذه هي الديموقراطية وأطالبه بأن يدعو مؤيديه جميعاً إلى الوقوف صفاً واحداً لتحقيق مصالح البلاد كما كان هو يطالب المواطنين قبل إعلان النتيجة". وأضاف:"أرجو أن يعلم المصريون جميعاً أن هذه النتيجة المستحقة لتهنئة الشعب كله هي بداية النضال السياسي والقانوني من أجل الديموقراطية التي لا تتحقق إلا بحرية اقتصادية تحقق نمواً حقيقياً يغير من أوضاع الوطن إلى ما نحب كلنا أن نكون عليه". واعتبر المرشح السابق خالد علي أن فوز مرسي هزيمة لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. وبدت الأرقام التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات متقاربة مع النتائج التي سبق أن أعلنتها حملة مرسي لتنتهي آمال شفيق وأنصاره في الفوز بالمقعد الرئاسي بعد أيام من التشكيك والتأكيد على أنه رئيس مصر المقبل، وهي الأجواء التي عززها بعض الترتيبات في الشارع أهمها الانتشار الأمني الكثيف لقوات الجيش حول المنشآت الحيوية والمصالح الحكومية والتحذيرات المتكررة من أن أي أعمال عنف بعد النتائج ستواجه بقوة وحزم، فضلاً عن إرجاء إعلان النتائج. وسبق إعلان النتائج تعزيزات أمنية لافتة في المواقع الاستراتيجية والحيوية وخصوصاً المطارات والموانئ، فضلاً عن صرف الموظفين مبكراً من مقار أعمالهم تحسباً لاحتجاجات. وفور إعلان النتائج، انتفض ميدان التحرير وعدد من الميادين الرئيسة في المحافظات احتفالاً بفوز مرسي، لكن المتظاهرين أصروا على استمرار اعتصامهم رفضاً للإعلان الدستوري المكمل الذي يمنح الجيش صلاحيات واسعة وحل البرلمان، فيما خيم الحزن على مقر حملة شفيق. وأفيد أن أعضاء في حملته اشتبكوا مع رجال الإعلام الذين كانوا يتمركزون أمام مقر الحملة لتغطية الحدث، وقطع مناصروه الذين كانوا يستعدون للاحتفال في حي مدينة نصر شارع النصر الرئيس في القاهرة. وردد مئات الآلاف في ميدان التحرير هتافات احتفالية بفوز مرسي وأطلقوا عشرات الألعاب النارية وهتفوا ضد الحكم العسكري وشفيق. وجالت سيارات يقودها مؤيدو مرسي في شوارع القاهرة مطلقة لأبواقها العنان، وتوافد آلاف من كل حدب وصوب إلى الميدان للاحتفال، وردد المتظاهرون"الشعب ايد واحدة"، في إشارة إلى عدم الانفراد بالحكم، كما رددوا عبارة"المحاكمة"، وذلك تلميحاً لضرورة التأكيد على محاسبة مسؤولي نظام مبارك. وأكد أحمد سبيع الناطق باسم حملة مرسي"استمرار الاعتصام في ميدان التحرير، اعتراضاً على الانقلاب الدستوري الذي يقوده المجلس العسكري". وقال:"لن نترك الميدان قبل تحقيق مطالبنا وفي مقدمها صلاحيات كاملة للرئيس المقبل وإلغاء قرار حل البرلمان". وتكررت المشاهد الاحتفالية في محافظات عدة في مقدمها السويس والاسكندرية اللتين لعبتا دوراً رئيساً في الثورة وتصدر فيهما مرسي نتائج جولة الإعادة، فيما عمت الفرحة المقر الانتخابي لمرسي في وسط القاهرة، وردد أعضاء الحملة هتافات منها:"يا مرسي بنحييك كل الشعب واثق فيك"،"افرحي يا أم الشهيد... مصر النهارده في عيد"،"حرية وعدالة... المرسي وراه رجالة"،"ثوار أحرار هنكمل المشوار". وعلى النقيض، خيم الصمت على مؤيدي شفيق وانتابهم حزن شديد، واكتفوا بتعبيرات تدل على الصدمة الشديدة، وخرج العديد منهم من القاعة التي كانت مخصصة لإدارة الحملة الانتخابية، فيما اشتبك بعضهم مع إعلاميين كان يتمركزون أمام مقر الحملة في ضاحية القاهرة الجديدة. وردد أنصار شفيق في حي مدينة نصر شرق القاهرة هتافات ضد المجلس العسكري و"الإخوان"، بينها:"باطل، باطل"،"الشعب يريد الفريق أحمد شفيق"، كما اعترض عدد من المتظاهرين سيارة تحمل ملصقاً دعائياً لمرسي وقاموا بتهشيم زجاجها ورشقوا سيارات الجيش بالحجارة وقامت بعض السيدات بالبكاء والعويل، قبل أن تتدخل قوات الأمن لفتح الطريق أمام حركة السير. وبدأ آخرون في تفكيك مكبرات الصوت التي كانوا ينوون استخدامها في الاحتفالات بفوز شفيق، وكان مئات من أنصار شفيق تجمعوا أمام المنصة حاملين صور مرشحهم الرئاسي قبيل الإعلان عن اسم الفائز.