قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن القيادة الفلسطينية ستقدّم شكوى إلى الأممالمتحدة ضد إسرائيل إذا لم تحصل منها على تعهدات واضحة بالعودة إلى مائدة المفاوضات. وحتى الآن، لا يزال الجمود السياسي مسيطراً، ولا توجد إشارات من الجانب الإسرائيلي بقبوله ذلك، وبناءً عليه قررت القيادة الفلسطينية توجيه رسالة تمهيدية غير تهديدية أو تحذيرية أو شروط مسبقة، من خلال إرسال وفد من كبار الشخصيات السياسية الفلسطينية محمَّلاً برسالة واضحة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، رغم الخشية من رفضه مقابلة الوفد، في إشارة واضحة الى زيادة التصلب الإسرائيلي، لاسيما في ضوء حكم اليمين الإسرائيلي الأشد تطرفاً، في وقت تنشغل فيه الدول العربية بربيعها الطويل، ومشكلاتها الخريفية، رغم ورود أنباء تقول إنه رغم الشعور بالجمود السياسي وتوقف المفاوضات بالمطلق، فإن هناك ما يدور وراء الكواليس، من تواصل تلك اللقاءات الفلسطينية-الإسرائيلية، وعدم انقطاع الاتصالات بين الجانبين، ففي الأسبوع الماضي عقد اجتماع"سري"في القدس بين رئيس فريق التفاوض الفلسطيني صائب عريقات وإسحق مولخو أحد مساعدي نتانياهو، وهو نفسه مهندس اللقاءات الاستكشافية الخمسة السابقة، التي احتضنها الأردن برعاية الملك عبدالله الثاني والتي تم عقد آخرها في25 كانون الثاني يناير الفائت، أي قبل يوم من تاريخ انتهاء الصلاحية التي خصصتها القيادة الفلسطينية لإجراء المفاوضات تحت رعاية اللجنة الرباعية والعاهل الأردني، وكانت محل ترحيب أميركي. وكما يبدو كان ذلك التواصل تنفيذاً لتطلعات العاهل الأردني، الذي أعلن حينها، عدم انتهاء تلك الجولات،"لجدواها"وإن كانت نتائجها بطيئة. وكانت الرسالة الفلسطينية تضمنت طلب استيضاحات عما إذا كان نتانياهو مهتماً بالعودة الى المفاوضات، والتوصل إلى حل، لاسيما في ضوء ممارسات اسرائيل الأمنية والاستيطانية ومحاولتها السماح بتآكل الصلاحيات والاختصاصات الممنوحة للسلطة الفلسطينية وفق الاتفاقات السابقة، وتراجعها عن معظم الالتزامات تجاه العملية السلمية، ورفض الدعوات الأممية والقرارات الدولية، بمبررات لا قيمة لها، بحيث لم يعد أمام السلطة أي خيار آخر. ولكن على أمل الموافقة الإسرائيلية على ما تم تكراره من قبل الرئيس عباس بشأن مطالبه المشروعة، حول اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية في حدود عام 1967، ووقف بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، لتمهيد الطريق أمام الفلسطينيين للعودة إلى المفاوضات المباشرة. خصوصاً أن هذه الرسالة كانت قُرنت مع لقاء تمهيدي بين عريقات ومولخو. وكانت مصادر اسرائيلية أفادت بأن هذه الخطوة من جانب عباس جاءت بعد تخليه عن خطته، لتهديد إسرائيل باللجوء إلى خيار تفكيك السلطة الفلسطينية، احتجاجاً على جمود المفاوضات السياسية، بعد الضغوط الأميركية. تزامنت تلك الضغوط مع دخول السلطة الفلسطينية في أزمة اقتصادية خانقة، بسبب خفض المساعدات المالية التي تحصل عليها السلطة من الحكومات الأجنبية، والجهات المانحة، وهي أزمة حرجة، تتطلب أكثر من 500 مليون دولار إضافية لتغطية ميزانية العام المقبل، وهو مبلغ فلكي. ولعل نتانياهو في نهاية المطاف، ليس بوسعه تجاهل الرسالة الفلسطينية حول الأمور التي من شأنها عودة الطرفين إلى المفاوضات المباشرة، كونها تعتبر من روح السياسة الأميركية، ومن بابٍ آخر تلتقي مع الرغبات الأردنية، ويمكن إضافة ميل القمة العربية الأخيرة نحو تلك التوجهات، ولكن الأهم أنه من غير المفاجئ أن الحكومة الأسرائيلية ستتبع فنونها"السيميّة"المختلفة، في كيفية الرد عليها، من حيث الأسلوب والصياغة الفضفاضة كما هي العادة، ولا ننسى أن لدى نتانياهو ما يكفي لعرقلة هذه التوجهات، ومنها تكرار شرطه الذي نسف مفاوضات عمان، وهو"الاعتراف بالدولة اليهودية"، والذي من شأنه تمكينه من إلقاء اللوم على الجانب الفلسطيني، من جانب الدول الصديقة لإسرائيل، وتلك التي تدور في الفلك الأميركي على الأقل. أما في حال عدم التجاوب الإسرائيلي مع الرسالة الفلسطينية، فليس من المستبعد، في حال لجوء الرئيس الفلسطيني إلى المجتمع الدولي لاتخاذ موقف إيجابي تجاه الطلبات الفلسطينية، أن تنفذ الحكومة الإسرائيلية تهديداتها العقابية المختلفة تجاه السلطة الفلسطينية، بهدف الإضرار بمجموع الشعب الفلسطيني، قبل الإضرار بالسلطة ذاتها، والتي من المحتمل جداً أن يكون للإدارة الأميركية ضلع فيها، بناءً على المسار التاريخي للكونغرس الأميركي. في ضوء المعطيات القائمة، يمكن تحديد صورة واضحة للأجواء المخيمة على الجانبين"المرسل والمستقبل"حيث تمكن ملاحظة طبقات مغبرّة وحالات أخرى أكثر التباساً، الأمر الذي يجعل من مسألة النظر في تنفيذ المصالحة الوطنية، وإعادة اللحمة، أولوية، من أجل تنظيم البيت الفلسطيني، وترتيب الأوراق التي عصفت بها الأهواء من كل جانب، على رؤى وأهداف وطموحات واحدة، إضافةً إلى السعي لتعرية اللجنة الرباعية، التي تعتمد محاباة إسرائيل سراً وعلانية، لاسيما وهي بصدد اجتماعها في واشنطن الأسبوع المقبل، لبحث الجمود في عملية السلام. - القاهرة ? بريد الكتروني