ثمة جهاز صغير أُضيف في الآونة الأخيرة إلى عدّة السفر والرحلات الطويلة، لكثير من شباب الدول الغربية. إنه قارئ الكتاب الإلكتروني الشهير «كيندل» Kindle، الذي تصنعه شركة «أمازون.كوم» Amazon.com. فقد أدّت الأسعار التنافسية لهذا الجهاز، إضافة إلى مزاياه التقنية المتمحورة حول فكرة تقليد تجربة قراءة الكتب الورقية، إلى انتشاره الواسع في صفوف الشباب في الغرب، خصوصاً طلبة الثانويات والجامعات. وزاد في انتشاره أنه يقرأ بسهولة الوثائق الموضوعة بصيغة «بي دي أف»، ويشغّل موسيقى من نوع «أم بي 3» MP3 في خلفية القراءة، إضافة إلى إمكان إستعماله كأداة لتخزين الملفات الرقمية المتنوّعة. ومع ظهور الجيل الثاني من «كيندل»، الذي زُوّد بتقنية تسمح له بالتعامل مع شبكات الخليوي المتطوّر من نوع «3 جي» 3G، صار «كيندل» مرشحاً لأن يكون صديقاً مثالياً للمسافرين، خصوصاً لهواة التصفح المستمر للإنترنت ومواقعها المتنوّعة بما فيها «فايسبوك» و«تويتر». وللتذكير، فإن أجهزة «كيندل» كلها مزوّدة بتقنية الإتصال مع شبكات «واي- فاي» اللاسلكية، التي باتت رائجة عالمياً. ولأن الشباب يهوى أجهزة الألعاب الإلكترونية، فلربما حملت تجربة «كيندل» في عالم التقنية الرقمية، دروساً ثريّة لشركات صناعة الألعاب الإلكترونية، مثل جهاز «بلاي ستشاين بورتابل فيتا» Play Station Portable Vita الذي أطلقته شركة «سوني» Sony اليابانية، في مؤتمر ضخم إستضافته جزيرة «كيوتو» أخيراً. وأعلنت الشركة اليابانية أن الجيل الجديد من «بلاي ستايشن بورتابل»Play Station Portable (يُشتهر باسم «بي أس بي» PSP)، يعتمد نظاماً مالياً شعاره «إدفع بقدر ما تستخدم» Pay For What You Get، الذي طبّقته الشركة في اليابان أولاً. فمثلاً، يدفع هواة «بي أس بي» في اليابان 10 دولارات مقابل 20 ساعة لعب. إذا قورن هذا المبلغ مع ما يتوجّب على مستعملي جهاز «كيندل» دفعه، وهو لا شيء تقريباً سوى ثمن الكتب الرقمية إذا أرادوا شرائها، يظهر فارق شاسع في البعد المالي للجهازين. ويرجع جزء من هذا الاختلاف إلى واقع أنّ ممارسة ألعاب «بلاي ستايشن» على تتطلّب استخدام كميات من البيانات الإلكترونية تفوق كثيراً عملية إرسال نصوص مكتوبة لا يزيد حجم واحدها عن حفنة من الكيلوبايت، وربما مع صور بالأسود والأبيض، إلى جهاز «كيندل». ماذا لو فكّرنا أنه إذا أرادت شركة «سوني» زيادة مبيعاتها في الألعاب التي يمكن تحميلها على «بي أس بي فيتا»، يتوجّب عليها أن تجد طريقة لجعل اللاعبين يتصفحون متجرها الافتراضي من دون أن يقلقوا من تضييع الوقت، لأنه سيغدو مدفوعاً سلفاً ضمن تكلفة شبكات الجيل الثالث للخليوي. في المقابل، من الواضح أن مقاربة «أمازون.كوم» ترتكز على فكرة مفادها أنّ خدمة الجيل الثالث المجانية في «كيندل» تموّل نفسها بنفسها أيضاً، بمعنى أنها تدفع الناس إلى شراء الكتب، من دون قلق كبير، أثناء تصفحهم متجر «كيندل» في موقع «أمازون.كوم». وينطبق وصف مُشابه على المقاربة التي تعتمدها شركة «آبل» بالنسبة للألعاب الإلكترونية التي تُقدّم عبر جهازي «آي فون» و «آي باد». ويعني ذلك أن سياسة الترويج للألعاب الإلكترونية عبر تطبيقات «خفيفة» مخصصة لهذين الجهازين، تؤدي عملياً إلى زيادة مبيعات تلك الألعاب. ومن ناحية اخرى، يؤدي التعامل مع التطبيقات والألعاب الإلكترونية عبر الأجهزة التي تتعامل مع شبكات الخليوي من نوع «3 جي»، إلى زيادة رضاها عن هذه الشبكات، فتحس بأنها تحصل على أشياء ترغب فيها، لقاء ما تدفعه للإستفادة من تلك الشبكات. والأرجح ان رضاها يزيد عندما تحصل على ميزات اخرى من شبكات «3 جي» للخليوي، مثل تصفّح البريد الإلكتروني وتلقي فاكسات فورية والحصول على أشرطة فيديو وغيرها. إذاً، يجدر بشركة «سوني» أن تفكر في هذا الأمر مليّاً، فهي تستفيد إذا جعلت أجهزتها قادرة على التعامل مباشرة مع شبكات «3 جي» الخليوية. يبدو أنّ شركة «سوني» حريصة في الوقت الحالي على جعل «فيتا» مكاناً جاذباً للألعاب الرقمية، عبر الطلب من المتاجر التي تبيعها بأن تطلق يومياً نسخاً من الألعاب الإلكترونية يمكن تحميلها في اليوم عينه حصرياً. لكن، ماذا لو أثبت هذا الإغراء أنه محدود الفعالية في إجتذاب الجمهور لشراء «بي أس بي فيتا»؟ ألا يقبل الجمهور على هذه الأجهزة لو أنها تتيح له الدخول إلى البريد الإلكتروني، سواء عبر «واي فاي» أو «3 جي»، إضافة إلى تفحص ألعاب لا حصر لها في المخزن الإلكتروني ل «سوني»؟ ماذا عن فكرة أن تُقدّم «سوني» نسخاً «خفيفة» ومجانية من ألعابها، كي يختبرها الجمهور، باللهو واللعب، ما يزيد في جاذبية تلك الألعاب في عينيه؟ ربما يصعب العثور على إجابة قوية لهذه الأسئلة، لكن التجربة العملية تفيد بأن هذه المقاربات نجحت بالنسبة لأجهزة «كيندل»، فلماذا يستحيل تجربتها في عالم الألعاب الإلكترونية وأجهزتها المحمولة؟ مجرد سؤال.