ارتفاع منشآت القطاع الخاص إلى 1.35 مليون منشأة في 2024    «الصناعات العسكرية» تنظّم مشاركة السعودية في معرض الصين الدولي للطيران    161,189 مسافراً بيوم واحد.. رقم قياسي بمطار الملك عبدالعزيز    الحق الأصيل    وزير الخارجية يترأس الاجتماع التحضيري للقمة العربية والإسلامية بالرياض    السعودية واليمن.. المصير المشترك    الأخضر يدشن تدريباته في ملبورن    المزهر مديراً للإتصال المؤسسي ومتحدثاً رسمياً بنادي الاتحاد    بيولي يطالب ادارة النصر بودية لتجربة العقيدي    الدوسري مهدد بالإيقاف    أحمد قاسم.. عرّاب الأغنية العدنية ومجددها    209 طلاب يتنافسون للالتحاق بالجامعات الأمريكية عبر «التميز»    القناوي: قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية تواكب النقلة في العلاج الجيني    5 أسباب لسقوط أسنان المسنين    عدم الإقبال على القروض    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    22.819 راكبا يستخدمون القطارات يوميا للتنقل بين المدن    تسلق الجبل الثاني.. رحلة نحو حياة ذات هدف    فلسفة صناعة كرة القدم    « ميامي الأمريكي» يفوز بجولة نيوم لكرة السلة «FIBA 3×3»    مرحلة (التعليم العام) هي مرحلة التربية مع التعليم    وزارة الصحة تضبط ممارسين صحيين بعد نشرهم مقاطع غير لائقة    «جوجل» تلجأ إلى الطاقة النووية بسبب الذكاء الاصطناعي    المملكة تدين الهجوم الإرهابي في بلوشستان    فلسطين تدعو لتدخل دولي عاجل لوقف الإبادة الجماعية    مهرجان الممالك القديمة    في مشهدٍ يجسد الحراك الفني السعودي.. «فن المملكة» ينطلق في«القصر الإمبراطوري» البرازيلي    الرياض.. تتفوق على نفسها    "روشن" تطلق هوية جديدة    النعاس النهاري بوابة لخرف الشيخوخة    طريقة عمل كيكة الرمل    الزعيم صناعة اتحادية    تغير صادم لرائدة الفضاء العالقة    أمير القصيم يثمن جهود القضاء.. وينوه بجهود رجال الأمن    لصوص الطائرات !    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    تعليم الطائف يستهدف إثراء مهارات وقدرات حراس المدارس    عودة ترمب.. ذكاء الجمهوريين وخيبة الديمقراطيين !    Microsoft توقف عدة تطبيقات    «وقار وصحة» ترعى كبار السن في القصيم    مجموعة العيسائي القابضة تستعرض أحدث ابتكاراتها وآخر مشاريعها في مجال العقارات    من الكتب إلى يوتيوب.. فيصل بن قزار نموذجا    شرطة جدة تقبض على مخالفيْن لنظام الحدود لترويجهما «الحشيش»    هيئة الأفلام وتجربة المحيسن.. «السينما 100 متر»    209 طلاب يتنافسون على الجامعات الأمريكية    جامعة أم القرى تبدأ استقبال طلبات التقديم على برنامج دبلوم الفندقة والضيافة    المملكة.. ثوابت راسخة تجاه القضية الفلسطينية والجمهورية اللبنانية    استخراج جسم صلب من رقبة شاب في مستشفى صبيا        الغامدي والعبدالقادر يحتفلان بعقد قران فراس    أمير القصيم يكرّم وكيل رقيب الحربي    «مجلس التعاون» يدين الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف قوات التحالف في سيئون    منسج كسوة الكعبة المشرفة ضمن جناح وجهة "مسار" بمعرض سيتي سكيب العالمي المملكة العربية السعودية    بلدية محافظة الشماسية تكثف جهودها الرقابية لتعزيز الامتثال    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    برعاية خالد بن سلمان.. وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    مراسل الأخبار    وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين نوفمبر الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة العنف المتصاعد في العالم العربي تحاصر الفرد والجماعة - جلد الديكتاتورية "الآمن"
نشر في الحياة يوم 28 - 12 - 2012

انكشف أخيراً، في سورية، ما كان يخفيه أمن الديكتاتورية وأمانها الزائفان من ضروب العنف، كأنَّ دمّلاً قد انفقأ. ظهرت على حقيقتها سكينة الاستبداد الفاسد بوصفها عنفاً منظماً متكرراً، منهجياً، هو أثر كارثيّ للنظام الاقتصادي والسياسي. غير أننا، نحن ضحاياه السابقين، كنّا نعلم أيّ أمن كاذب هو هذا الأمن. لقد رأينا في غرف التحقيق الدمَ، والأجساد المشبوحة، والأفخاذ المفسوخة، والأعين المرفوسة بالبسطار، والأعضاء المُكَهْرَبة، والأطراف الملويّة حتى الشلل. ورأينا الموت، وذلّ البشر وإباءهم.
لقد أتيح لنا أن نختبر، على أجسادنا، طبيعة الديكتاتورية الحديثة المحكومة بالأجهزة الأمنية: ذلك النظام السياسي الذي لا تكاد أن تكون له بنية سياسية حقوقية وقانونية. وقانونه الفعلي هو شهوة السلطة ليس لذاتها فحسب، بل لأنها، في مثل هذه المجتمعات، مصدر الثروة، وتقدر أن تحوّل الدولة إلى مشروع استثماري هائل الأرباح.
ليس للديكتاتورية أيّ تعالٍ سياسي أو حقوقي فعليّ، بل ليس ضرورياً أن تكون لها أيّ رفعة شخصية، حتى يمكن أن تُدار بأيّ نكرةٍ وليد المصادفة، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عمّا إذا كان لمثل هذا النظام تاريخ فيه ماضٍ أو مستقبل. فهو يكاد أن يكون نظام اللحظة التي لا تجد دوامها وأمانها إلا باختفاء كلّ معارضة وتعميم الخنوع، وجعل البشر جميعاً، مهما تكن تبايناتهم، متساوين، لا لأنهم كلّ شيء، كما في الديموقراطية، بل لأنهم لا شيء، مجرد رعايا يمكن التحكّم بمصيرهم.
إنّه نظام يحيا تحت مستوى السياسي، بل والاجتماعي، كما لو أنّه حدود السياسة والاجتماع، كما لو أنّ حيّزه هو الفراغ وزمنه هو اللحظة:"حيّز بلا أمكنة وزمن بلا ديمومة". أمّا آلة ذلك كلّه فهي الخوف، ذلك الانفعال العفوي، البسيط، الذي لا يحتاج إلى تعليم، ولا يتميّز بطابع اجتماعي أو سياسي، ولا يعرف لوائح أو قوانين، ولا يثنيه شيء عن الولادة آن يُسْتَوْلَد. الخوف، الخوف، ثم الخوف، ما يصنع حياة هذا النظام الغريب.
ذلك هو العنف الذي تفجّر وولّد كلّ ما تراه الأعين الآن من ضروب القسوة والهمجية: بدءاً بالحلّ الأمني الذي انتقل من الضرب بالعصي إلى القصف براجمات الصواريخ والطائرات، مروراً بالعنف الحربي المقابل والخطف والذبح والتقطيع، انتهاءً بما ينهمر من كلّ صوب من خطابات التمييز الطائفي العنصري و"مكارثية"أشباه المثقفين والفنانين وميلهم إلى التخوين والإلغاء.
حين انكسر حاجز الخوف، آلة إعادة إنتاج النظام، لم يكن بدّ من انفلات عنف هذا الأخير من كلّ عقال. ذلك كان معروفاً حتى لدى أمهاتنا اللواتي كنّ، أمام كلّ مصيبة دهماء من مصائب النظام، يطلبن من الله أن يجيرهنّ من الأعظم.
ومن أجل أن ينتهي كلّ ذلك إلى غير رجعة، كنّا ولا نزال مع ثورة شعبنا المدنية الديموقراطية، وضد تحويلها إلى حرب يريدها من لا يقوى على ممارسة سواها، ويزداد جهلنا بطرفها الرابح كلما أمعنت بالقتل والدمار. وما عَكَسَهُ شعار"السلمية"في بداية الثورة إنّما هو وعي ما يحفّ بها من مخاطر ومخاوف، نظراً لبنية النظام المتركزة في قمّته، والذي لا يزال يبدي تلاحماً شديداً في مكوّناته، ويحظى بتأييد قواعد اجتماعية واقتصادية وعسكرية شتّى، في بلدٍ يتميّز بفسيفسائه الإثنية والطائفية والمذهبية المعقّدة، كما يتميّز بغيابٍ كامل لكل مظاهر المجتمع المدني الذي ذهبت به عقود من القمع المطلق.
هل أعاد النظام إنتاج ذاته حتى في بعض من يزعم أنه نقيضه؟ ثورة أم حرب؟ وما مقادير كل منهما في المشهد؟ من يريد حقّاً إسقاط النظام؟ الحربجيون أم السلميون؟ تلك هي اليوم أسئلة حياة سورية أو موتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.