بعد استيلائها على مدينة غوما الشرقية في معركة أذلت جيش الكونغو وجنود حفظ السلام الالفين التابعين للامم المتحدة والمنتشرين في محيط المدينة، انسحب مقاتلو حركة"ام 23"المتمردة على متن شاحنات محملة بالذخيرة التي صادروها. وقال احد قادة المتمردين العميد سلطاني ماكينغا"نرحل الآن لنعود لاحقاً"، اثناء رؤيته انسحاب جنوده الذين لم يخف بعضهم خيبة امله من القرار الذي فرض على الحركة من قبل مسانديها في رواندا وأوغندا، اللتين تعرضتا الى ضغوط من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. ولم يؤد التراجع المفاجئ الى أي شيء يمكن ان يسوّي المشكلات المتعددة في المنطقة ? الاقتصادية والعرقية والسياسية والامنية- والتي اشعلت التمرد في نيسان أبريل الماضي. أذل سقوط غوما رئيس الكونغو جوزف كابيلا الذي شهد مرة جديدة انهيار جيشه ووقوع جزء من بلده المفكك بين ايدي المتمردين المؤيدين من رواندا. لكن انتصار حركة"ام 23"لم يكن نجاحاً لافتاً لرئيس رواندا بول كاغامي. لقد اوقف المانحون الاجانب عشرات ملايين الدولارات من المساعدات الموعودة لبلده كعقاب على مساندة المتمردين. وفي تكرار لدورة العنف التي بدأت في العام 1998، وصل الجانبان في الكونغو الى جمود قلق. انتهى القتال في الماضي بانضمام المتمردين الى الجيش النظامي وبتعهد كابيلا تركهم وشأنهم لبضعة أعوام. سيكون الامر أصعب هذه المرة. وقال مسؤول في الاممالمتحدة في غوما:"لا اعتقد ان هؤلاء الناس سيعودون الى الجيش، ولا أرى انه سيرحب بعودتهم". ويعتبر شرق الكونغو بالنسبة الى كاغامي مصدراً محتملاً لنمو اقتصاد بلده الصغير ولصداع لا ينتهي في آن. والمنطقة خصبة وتحتوي على الذهب والقصدير ومعدن الكولتان المستخدم في صناعة رقاقات الهواتف الخليوية"ويمر بعضه على نحو شرعي او غير شرعي، عبر رواندا. وقد يُعثَر على النفط قريباً. ويوجه السكان الذين يتكلمون اللغة السواحلية، اللغة الحية في شرق افريقيا، انظارهم الى الشرق بدلاً من كينشاسا، عاصمتهم التي تبعد عن منطقتهم 1600 كيلومتر الى الغرب. في جميع الاحوال، يقع شرق الكونغو المؤلف من مزيج كريه من المجموعات المسلحة ومن الحرمان، خارج سيطرة الحكومة الكونغولية، وفق ما يوضح غالباً كاغامي ببرم على حسابه في موقع"تويتر". ويشاركه كثر من سكان شرق الكونغو تقويمه المهين لكابيلا الذي خبا تأييد الشرق له في الانتخابات الرئاسية العام الماضي. ويرجع غضبهم جزئياً الى فشل كابيلا في وقف تدخل كاغامي في شؤون الكونغو. ورمى اتفاق السلام الاخير بين الكونغو والمتمردين الذين تدعمهم رواندا في 2009 الى انهاء النزاعات هذه بين الجيران. وبعدما جرى استيعاب المتمردين في الجيش النظامي، تنازل كابيلا عن المناطق الشرقية وثرواتها المعدنية الى زعيم المتمردين بوسكو نتاغندا المطلوب الى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ولقائد قوات البر في جيش الكونغو الجنرال غبريال اميسي. ويقال ان الرجلين جنيا فوائد عظيمة من الاتفاق. وعندما لمّح كابيلا في نيسان الى انه قد يعتقل نتاغندا، فر المتمرد السابق الى التلال وساعد على انشاء"ام 23". وعندما طرد كابيلا الجنرال اميسي بعد خسارته غوما، لم يكن ذلك بسبب الاخفاق العسكري بل لأن اسم الجنرال ظهر في تقرير للامم المتحدة عن صيادي الافيال غير القانونيين. وبحلول ذلك الوقت، كان قد تأخر وقت منع المتمردين من الهزء بجيش الكونغو. اليوم وبعدما أمضى جيش الكونغو ثمانية شهور في القتال ليس فقط ضد"ام 23"بل ايضاً ضد نصف دزينة من الميليشيات الاخرى في شرق الكونغو، لم يعد السكان يثقون بكابيلا. لقد سئموا خصوصاً من قطع حكومته الموقت لارسال اذاعة"راديو اوكابي"وهي المحطة التي تساندها الاممالمتحدة والوحيدة التي تقدم خدمة اخبارية مستقلة على المستوى الوطني. ويُظهر حلفاء كابيلا في اماكن اخرى من افريقيا والذين ساندوه في الماضي، دعماً فاتراً الآن. وتخلى الاصدقاء الغربيون عن الرئيس العام الماضي عندما عدّل الدستور ودفع انصاره الى تزوير اعادة انتخابه. وما زال المتمردون يحوزون قصب السبق رغم تراجعهم في غوما. لكنه ليس من الواضح ماذا يريدون. لقد بدأ بعضهم يدعو الى اقامة موطن شبه مستقل. ويقول مراقبو حقوق الانسان في المدينة ان"ام 23"خلفت خلايا نائمة وراءها لمنع قوات الأمن من أداء عملها ولزعزعة الحكومة. بيد ان روابطها مع رواندا ومع التوتسي هناك قد تحد من جاذبيتها، وعليها ان تقدم نفسها كبديل مقبول لكابيلا. * افتتاحية، عن"ذي إيكونوميست"البريطانية، 8/12/2012، إعداد حسام عيتاني