أطاحت قضية فساد، هي الأضخم في تاريخ وزارة الدفاع الروسية، الوزير أناتولي سيرديوكوف الذي أقاله الرئيس فلاديمير بوتين من منصبه أمس، لتأمين"تحقيق موضوعي"في الفضيحة التي توقع خبراء أن تكون لها تداعيات مهمة. ولم تمضِ أيام على كشف الفضيحة، حتى تدحرجت أبرز رؤوس وزارة الدفاع، إذ أصدر بوتين قراراً بإقالة سيرديوكوف بسبب"الظروف المستجدة في الوزارة"، في إشارة إلى الفضيحة التي باتت تُعرف باسم"ملف مؤسسة أبورون سيرفيس"التابعة للوزارة. وأوضح بوتين أن قراره هدفه"إجراء تحقيق موضوعي في القضية وكشف كل ملابساتها". وعين الرئيس الروسي خلفاً للوزير المقال، أحد أقرب أصدقائه وحلفائه السياسيين سيرغي شايغو 57 عاما، وهو جنرال شغل طيلة 18عاما منصب وزير الطوارئ، قبل تعيينه العام الماضي محافظاً لمقاطعة ريف موسكو، وهو من أشد المخلصين لبوتين ورافقه في كل مراحل عمله على مدى عقدين. وقال بوتين، خلال لقائه شويغو، أن الوزير الجديد"في هذه الوزارة المهمة جداً، يجب أن يكون شخصاً قادراً على متابعة ما أُنجز في السنوات الأخيرة، من تنمية حيوية للقوات المسلحة وتلبية متطلبات الدفاع والخطط الضخمة لتحسين تسليح الجيش". وخاطب شويغو قائلاً:"يمكنك أن تكون ذاك الرجل". ومع إقالة سيرديوكوف، تكون قضية سرقة الأموال العامة في الوزارة التي شغلت الرأي العام أخيراً، دخلت منحى جديداً، إذ لم يستبعد خبراء أن يُطلب من الوزير المقال الشهادة في الفضيحة، أو أن توجه ضده اتهامات. لكن بوتين قلّل من هذا الاحتمال، إذ أشار إلى"الإنجازات المهمة التي تحققت للمؤسسة العسكرية خلال السنوات الخمس الأخيرة التي شغل فيها سيرديوكوف المنصب". لكن خبراء مقربين من وزارة الدفاع اعتبروا شكل إعلان إقالة سيرديوكوف، مؤشراً إلى تداعيات محتملة، ولم يستبعد بعضهم أن يختفي الوزير المُقال من المشهد السياسي، أو أن يغادر البلاد قبل صدور اتهامات بحقه. وشكّل ذلك سابقة في الحياة السياسية الروسية، إذ لم تشهد البلاد إقالة وزير بارز بهذه الطريقة، وبعد اعلان قضية فساد، ما جعل معارضين يطالبون بكشف ملفات فساد ضخمة في وزارات أخرى، بينها الصحة والتعليم، كما قال نائب شيوعي. وكانت روسيا شهدت إقالتين صاخبتين لمسؤولين مهمين، لكن الخلفية كانت سياسية في الحالين، أولاهما قبل سنتين حين أقال الرئيس السابق ديمتري مدفيديف حاكم موسكو يوري لوجكوف، والثانية أطاحت وزير المال السابق أليكسي كودرين. وبرر الكرملين الإقالتين بعدم انسجام الرجلين مع السياسة التي وضعها. وكانت لجنة تحقيق خاصة بدأت قبل أيام درس ملفات القضية التي تتصل باختلاس أكثر من 3 بلايين روبل نحو مئة مليون دولار. وأفاد محققون بأن مسؤولين في وزارة الدفاع صادروا ممتلكات وعقارات تابعة للوزارة، وسهّلوا تخصيص مبالغ ضخمة من موازنة الوزارة، لإصلاحها وتحسينها، ثم بيعت لمؤسسات تجارية بأسعار تقل أحياناً عن نصف ثمنها الحقيقي. ووُجهت اتهامات إلى متورطين بالفضيحة، بينهم مديرة قطاع الأملاك والإدارة يلينا فاسيليفا التي تبيّن أنها تقيم في شقة فاخرة حيث ضبطت أجهزة الأمن لوحات ثمينة وتحفاً نادرة ومئات المجوهرات. وأوردت وسائل إعلام روسية أن سيرديوكوف كان في منزل فاسيليفا لدى دهمه الشهر الماضي. وتفيد معلومات بأن الخسائر المعلنة لخزينة الدولة، نتجت من بيع 8 عقارات فقط في موسكو ومحيطها، ما يعني أن التحقيقات قد تكشف أبعاداً أخرى أكثر اتساعاً للقضية. وأشار خبراء إلى أن سيرديوكوف مُحرَج، إذ لم يكن ممكناً ألا يطلع شخصياً على ملفات البيع وتفاصيل الصفقات المشبوهة، خصوصاً أنه تولى منصب رئيس مجلس المديرين في المؤسسة التابعة للوزارة، منذ تأسيسها العام 2008 وحتى العام 2011.