من حين إلى آخر تشعر بوجع خفيف في أسفل البطن، وفي أحيان أخرى يكون الوجع أشد ويستغرق لحظات قبل أن يتلاشى وكأن شيئاً لم يحدث. وفي كل مرة كانت المصابة تعزو الأمر إلى الدورة الشهرية أو إلى البرد. لكنها ذات يوم شكت من نزف شديد كاد يودي بحياتها، أدخلت إلى المستشفى على وجه السرعة، وبعد إجراء الفحص الطبي والتصوير بالأمواج فوق الصوتية اتضح أن لديها حملاً خارج الرحم. أمام هذا الوضع كان لا بد من اتخاذ القرار بإجراء الجراحة الفورية. الاستقصاءات والتحريات التي رافقت الجراحة وما بعدها أوضحت أن المرأة كانت تعاني سابقاً من التهاب في الحوض شجع على حدوث الحمل خارج الرحم بسبب بقاء البويضة في قناة الرحم قناة فالوب وعدم تمكنها من الرحيل إلى بيت الرحم. يعتبر التهاب الحوض عند المرأة من الأمراض الشائعة والخطيرة، وهو غالباً ما يحصل أثر تسرب العدوى إلى أحد الأعضاء التناسلية في حوض المرأة الرحم، قناة الرحم، قناة فالوب، المبيض، المهبل. والأمراض المنتقلة بواسطة الجنس من أشيع المسببات لالتهاب الحوض، وهناك جراثيم كثيرة تسبب الالتهاب من أهمها بكتيريا السيلان وعصيات الكلاميديا. أيضاً يمكن للجراثيم المعشعشة في شكل طبيعي في المهبل أن تنساب عبر عنق الرحم لتعتدي على الأعضاء التناسلية الأخرى. وتتسلل البكتيريا المسببة لالتهاب الحوض إما من طريق الوصال الجنسي، أو أثناء عمليات الولادة أو الإجهاض التي تتم في ظروف صحية سيئة تخلو من قواعد الحد الأدنى للنظافة. أيضاً يمكن للزائدة الملتهبة أن تنفجر فتنقل العدوى إلى الأعضاء التناسلية في الحوض. كما يمكن لمانعات الحمل الموضعية و"الكورتاجات"أن تخلق الظروف المشجعة لحدوث التهاب الحوض. ويتظاهر التهاب الحوض بالعوارض والعلامات الآتية: - ألم في الحوض خصوصاً في أسفل منطقة البطن. - ألم في أسفل الظهر. - ألم أثناء المعاشرة الجنسية. - آلام مع صعوبات في التبول. - اضطرابات في الدورة الشهرية. - خروج مفرزات تناسلية ذات رائحة كريهة. - عوارض عامة مثل الحمى، والتعب، والغثيان، والإسهال. ويمكن أن ينتج من التهاب الحوض المهمل العلاج المضاعفات الآتية: العقم، وهو يشاهد في أكثر من ثمن المصابات بالتهاب الحوض، والسبب يرجع إلى الدمار الذي يلحقه الالتهاب بالأعضاء التناسلية خصوصاً قناة الرحم قناة فالوب التي تتعرض للالتهابات وما يعقبها من التصاقات وتمزقات تحول دون لقاء الحيوان المنوي مع البويضة من أجل إتمام عملية الإلقاح الطبيعي ومن ثم التعشيش. وكلما تأخر علاج التهاب الحوض زادت نسبة الإصابة بالعقم. وفي هذا الإطار تقول دراسة أجراها باحثون من جامعة جون هوبكنز الأميركية للأطفال، أن تعرض المرأة لالتهاب الحوض لأكثر من مرة يضاعف خطر إصابتها بالعقم، كما كشفت الدراسة أن اللواتي عانين في شكل متكرر من التهاب الحوض كن أكثر تعرضاً بمرتين لخطر العقم، وأكثر تعرضاً بأربع مرات للإصابة بآلام الحوض المزمنة. وفي معرض تعليقها على نتيجة الدراسة تقول المشرفة على الدراسة ماريا ترنت أن التهاب الحوض، حتى لو تغير مع مرور الوقت، يمكنه أن يبقى سيفاً مسلطاً على القدرة الإنجابية عند المرأة. كيف يشخص التهاب الحوض؟ لا يوجد فحص واحد يسمح بوضع النقاط على حروف التشخيص. ويقوم التشخيص أولاً بأول على القصة المرضية، والفحص الطبي السريري، إضافة إلى الاختبارات الدموية والبولية المدعومة بالفحوص الشعاعية خصوصاً التصوير بالأمواج فوق الصوتية وفحوصات أخرى أكثر تعقيداً في حال الضرورة. أما في شأن العلاج فإن المضادات الحيوية لها الكلمة الفصل في وضع حد للجراثيم التي عاثت في الحوض فساداً. وفي حال تشكل الخراجات لا بد من التفجير الجراحي للتخلص من براثن الالتهاب. ختاماً تبقى النقاط الآتية: 1- التهاب الحوض في البداية قد يكون صامتاً من دون عوارض تذكر، أو قد يعطي عوارض بسيطة لا تؤخذ غالباً في الحسبان. 2- يجب عدم الخلط بين آلام الحوض الناتجة من التهاب الحوض وآلام الحوض العصبية أو النفسية المنشأ، فحوض المرأة حساس جداً نظراً إلى احتوائه على أعضاء كثيرة يغذيها العديد من الأعصاب والأوعية الدموية السميكة التي يمكنها أن تتأثر بأي طارئ صحي يتظاهر بآلام في أسفل البطن أو أسفل الظهر. 3- ينتشر التهاب الحوض بكثرة في المجتمعات التي تعيش في فوضى جنسية. 4- لكن ماذا عن الرجل؟ ألا يصاب بالتهاب الحوض؟ في الواقع إن الأعضاء الموجودة داخل حوض المرأة تختلف عن تلك الموجودة عند الرجل، وبناء عليه يمكن القول أن التهاب الحوض عند معشر الرجال يكاد يكون غير موجود، وفي حال وجد فعلاً، فإن الرجل يعاني من ألم في أسفل الظهر أو في المنطقة التي تقع بين أسفل أعضائه التناسلية وفتحة الشرج. 5- إن التهاب الحوض قد يسبب عاجلاً أم آجلاً تلفاً يدمر الأعضاء التناسلية، من هنا انتشار الإصابة بالعقم. 6- ينتقل التهاب الحوض بسهولة من أحد الزوجين إلى الآخر، من هنا أهمية إخبار الطرف المصاب للشريك الآخر كي يخضع للفحص والعلاج إذا استدعى الأمر. 7- يجب الاستشارة فوراً في حال المعاناة: من آلام عنيفة في أسفل البطن، أو من الغثيان المزعج، أو من الحمى القوية، أو من عوارض الصدمة والوهن الشديد.