دخلت تركيا أزمة تشكّل نقطة تحوّل في تاريخها السياسي، بعد إعلان القادة العسكريين استقالتهم في شكل جماعي، احتجاجاً على تدخل حكومة"حزب العدالة والتنمية"ذات الجذور الإسلامية في تركيبة الجيش وترقياته وتعييناته، في شكل يؤدي الى تصفية الأتاتوركيين وترقية الموالين للحكومة. وطلب رئيس الأركان الجنرال إشق كوشانير وقائد القوات البرية الجنرال اردال جيلان أوغلو وقائد القوات الجوية الجنرال حسن أقصاي وقائد القوات البحرية الجنرال أشرف أوغور يغيت، إحالتهم على التقاعد، علماً أن من المفترض أن يبقى كوشانير في رئاسة الأركان سنتين أخريين، ليكمل مدته المحددة بثلاث سنوات. وأتت الاستقالات عشية انعقاد الاجتماع السنوي للمجلس العسكري، بعد غد الاثنين، وذلك على إثر خلافات شديدة بين قيادة الجيش من جهة، والحكومة والرئاسة من جهة أخرى، بسبب ما اعتبره رئيس الأركان تدخلاً قوياً من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في لوائح ترقيات وتنقلات الجنرالات والضباط في الجيش، بحجة تورط بعد تلك الأسماء في قضايا انقلابية. ورفض كوشانير تدخل أردوغان في اللوائح، معتبراً أن ذلك سيؤدي الى تشكيل قيادة عسكرية لجيش موالٍ للحكومة، وليس للدولة، فيما أصر أردوغان على ترقية بعض الأسماء التي يريدها، وتحييد أسماء أخرى يشكّ في ولائها. وسارع أردوغان الى الاتصال بقائد قوات الجندرمة الجنرال نجدت أوزال الذي كان رئيس الوزراء أصرّ على تعيينه في هذا المنصب العام الماضي، والذي رفض تقديم استقالته مع قيادات الجيش. وتوجه أوزال بعد ذلك الى القصر الجمهوري للقاء الرئيس عبدالله غل، في إشارة الى احتمال تعيينه رئيساً جديداً للأركان بدل كوشانير المستقيل. وتؤكد مصادر الحكومة على إصرار اردوغان على عقد اجتماع المجلس العسكري الاثنين، في موعده من دون تأخير، وملء جميع الفراغات وتثبيت اللوائح التي يقرّها أردوغان للترقيات والتعيينات. وكانت الحكومة شهدت أزمة مشابهة العام الماضي، بسبب زيادة عدد الجنرالات المسجونين على ذمة قضايا انقلابية، وإصرار رئيس الأركان على ترقيتهم، بحجة عدم ثبوت التهم في حقهم ورفض أردوغان ذلك. ووصل الى 43 عدد الجنرالات المحبوسين على ذمة قضايا انقلابية في عهد حكومة اردوغان، إضافة الى 165 ضابطاً وجندياً. وعلى رغم هذه الأزمة التي تُعتبر سابقة في تاريخ تركيا، يؤكد مقربون من الحكومة أن هذه الاستقالات ستتيح لأردوغان تشكيل الجيش في الشكل الذي يريده، انطلاقاً من تأكيده أن الجيش يتبع وزارة الدفاع، فيما كان الجيش يصرّ على استقلالية المؤسسة العسكرية. وبذلك يكون الجيش أعلن استسلامه، بعد معركة استمرت نحو 9 سنوات مع حكومة"حزب العدالة والتنمية"، وبعد تخلي الحليف الأميركي عنه وتغيّر صورة الجيش لدى الرأي العام، إثر إقرار إصلاحات ديموقراطية وتحجيم دوره السياسي. وهذا يجعل مراقبين أتراكاً كثيرين يستبعدون أي عمل انقلابي للجيش، ليبقى أمام قياداته الانسحاب حفاظاً على ماء وجههم، أمام العسكريين ومن بقي من الأتاتوركيين في تركيا، بعد فشلهم في الدفاع عن أفكاره ومبادئه.