إطلاق خدمة «التحقق المهني» للعمالة الوافدة في 160 دولة    السفيرة الأميرة ريما بنت بندر تحضر حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب    استمرار انخفاض درجات الحرارة على عدة مناطق    لا تفريغ للمرشحين.. الدراسة مسائية ومجانية    أحد رفيدة: طريق «المطبّات» يثير الاستغراب    أمير الحدود الشمالية: عام الحرف اليدوية يجسد اهتمام القيادة بترسيخ التراث وإبرازه عالمياً    شرطة الرياض تطيح 9 تورطوا في 33 حادثة احتيال    «ثلاثي العاصمة» يتحدَّون الوحدة والخليج والتعاون    مفوض الإفتاء في جازان خلال مبادرة اللحمة الوطنية دين ومسؤولية: الخير فينا فطرة ونسعى للأفضل    «عين» النصر على «غامدي» الاتحاد    16 يوماً على دخول تعديلات نظام العمل حيز التنفيذ    وزير الداخلية يعزّي أسرة المورقي    الطائي أمام النجمة على ذكرى الثلاثية.. نيوم يستقبل أبها.. البكيرية يواجه العدالة    «الجوال» يتصدّر مسببات حوادث المرور في نجران    مركز الأطراف الصناعية في مأرب يُقدم خدماته ل 484 مستفيدًا خلال شهر ديسمبر الماضي    أمير تبوك ونائبه يواسيان أسرة السحيباني في وفاة والدتهم    برئاسة نائب أمير مكة.. لجنة الحج تستعرض مشاريع المشاعر المقدسة    سيناريوهات اختفاء الأكسجين لمدة 60 ثانية    أكسجين ووقود صيني في المدار    لأول مرة إنتاج شاي سعف النخيل    آلية تدمير التدخين الإلكتروني للرئتين    الفضة تغير لون الجلد    منافسة لدعم الشركات المحلية المتخصصة في تقنيات الفضاء    الحكم المحلي وعدالة المنافسة    الهلال ونيمار.. أزمة حلها في الإعارة    في الجولة ال 18 بدوري" يلو".. نيوم يلتقي أبها لتأكيد الصدارة.. والنجمة يواجه الطائي    "التجارة" تعزز التشريعات بصدور وتطوير لوائح جديدة    «الخارجية الفلسطينية» تُطالب بفرض عقوبات على المستوطنين    إنستغرام تعيد ميزة إعجابات الأصدقاء    السعودية ورهان العرب..    الحرب على غزة وتفكيك السردية الإسرائيلية    وزير النقل يستعرض خطط الوزارة في جلسة الشورى    متى تختفي ظاهرة اختلاف تفسير النظام من موظف إلى آخر    وماذا بعد صفقة غزة؟    حتى لو    تحديات مبتعثي اللغة وحلول مقترحة لدعم رحلتهم الأكاديمية    ماراثون أقرأ    الفلسفة أفقا للنهوض الحضاري    الأدب الكلاسيكي وفلسفة القديم والجديد    كتاب الموتى الرقمي والحق في النسيان    روائع الأوركسترا.. واستقرت بها «الرياض»!    26.7 مليار ريال قيمة مبيعات NHC" وشركائها    تمكين الشباب ودعم الشركات الصغيرة    محافظ جدة يطلع على برامج إدارة المساجد    آفة المقارنات    الحوار الصامت    رتال تطلق مشروع نوبو في مدينة الخبر    مجلس الشورى في زيارة إلى الحدود الشمالية    الحديث مع النفس    بريطانيا تفرض غرامة مالية على العطس أثناء القيادة    تقنية طبية سعودية لعلاج أمراض فقرات الرقبة    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير إدارة برنامج الاستحواذ الدفاعي في كوريا    أمير تبوك ونائبه يواسيان أسرة السحيباني    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته لمراكز " قيا شقصان كلاخ والسديرة"    أمين القصيم يلتقي وكيل الوزارة المساعد للتخصيص    نائب أمير تبوك يستقبل قائد حرس الحدود بالمنطقة    شرطة الرياض تقبض على (9) أشخاص ارتكبوا (33) حادثة احتيال مالي    أمير الرياض يعزي في وفاة المباركي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الإخوان" إذ ينوون تقليد إسلاميي السودان
نشر في الحياة يوم 29 - 07 - 2011

تتخذ الحركات الإسلامية في المنطقة العربية، خصوصاً الإخوان المسلمين في مصر والخليج والأردن وحزب النهضة في تونس، من تجربة الجبهة الإسلامية القومية نموذجاً للنجاح. فهي شديدة الإعجاب بالتنظيم وزعيمه الشيخ حسن الترابي الذي يفترض أن يزور مصر هذه الأيام مهنئاً رفاقه وناصحاً لهم. والإخوان العرب وعلى رأسهم المصريون يرون التجربة السودانية وليس النموذج التركي، قدوة وهدفاً، لأنهم يدركون اختلاف تطور تركيا التاريخي وجغرافيتها، والأهم كونها في ظل دستور علماني.
فقد نجحت جبهة الترابي الإسلامية في الوصول إلى السلطة، بصرف النظر عن الوسيلة، كأول حزب عربي إسلامي سنّي، وفي بلد مثل السودان ليس من الدول المبكرة في الدعوة للإسلام. وقد ابتهج الإسلاميون، وفي مصر أطلق بعض دعاة الديموقراطية الحاليين من الإسلاميين على مجلس الثورة العسكري صفة: مجلس الصحابة الذي يحكم في السودان. ولم نسمع أي إدانة من الإسلاميين لانقلاب زملائهم على نظام ديموقراطي وبرلمان منتخب كان للإسلاميين فيه 51 نائباً ويُعتبرون الكتلة البرلمانية الثالثة. وهذا يفضح موقفهم الحقيقي من الانتخابات والبرلمان والديموقراطية عموماً.
نظر الإخوان والإسلامويون والإسلاميون العرب، منذ زمن، بإعجاب شديد للترابي كمفكر وحركي ومنظّم وسياسي. وقد كان راشد الغنوشي يراه مثلاً أعلى، وشاركه تأليف الكتب وعقد الندوات في الخرطوم. وعندما راجت شائعات عن دورهما المشترك في أحداث الجزائر مطلع التسعينات، سُئل عن هذه العلاقة الخاصة، فجاء رده:"أنا لا أنكر هذا التوافق في الكثير من الأفكار والآراء. ولست أبرِّئ نفسي من هذه العلاقة بل أفخر بها. أفخر بالعلاقة مع كل إنسان شريف، مع كل مفكر مناضل، فضلاً عن رجل في مستوى الترابي علماً وتجربة وذكاء وبلاء في الإسلام. ولكن المشكل أن تفهم هذه العلاقة على أنها علاقة تآمرية". ويضيف:"أما كوني أحترم الترابي وأقدّره فليس معنى ذلك أنني أتآمر معه على العرب والمسلمين لأننا لسنا لفيفاً أجنبياً ... ولماذا يستكثر على الإسلاميين أي لقاء بينما المؤسسات الأمنية والسياسية العربية المعادية للخيار الإسلامي تكثف لقاءاتها".
لقد أصدرت مجموعة من الإسلاميين كتاباً مهماً في النقد الذاتي، تحت عنوان"الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية"، تحرير وتقديم الكاتب الكويتي عبدالله النفيسي. وفي ورقته الرئيسة قدمت مقارنة بين الحركة الإسلامية في السودان ممثلة بالجبهة الإسلامية القومية والحركة الإسلامية في مصر ممثلة بالإخوان المسلمين بزعامة أبو النصر. وقد انتهت المقارنة إلى تفوق وتميز الجبهة الإسلامية وتمني أن يستفيد الإخوان المصريون من تجربتها، وكانت أهم الإيجابيات: 1- استطاعت الحركة في السودان الانتقال من حركة نخبوية تنظيمية مغلقة إلى حركة جماهيرية جبهوية مفتوحة. في المقابل لم تزل جماعة الإخوان المسلمين في مصر على حالتها النخبوية الحزبية المغلقة.
2- لهجة الخطاب السياسي والاجتماعي في السودان لا تقف عند البث العقائدي أو الديني المحض بل توظف ذلك في القضية السياسية والاجتماعية. ويتجلى ذلك في خطابات الترابي، بينما تقف خطابات المرشد أبو النصر عند حدود البث الديني المحض ولا تخاطب إلا من ينتمي إلى جماعة الإخوان.
3- تأسيس شبكة واسعة من العلاقات داخلية وخارجية.
4- الاستفادة من خبرات أتباعها ومشايعيها وصقلها مواهبهم الإدارية والتجارية والإعلامية والسياسية. ظهر هذا جلياً في البنوك والاقتصاد والإعلام.
5- تمكنت الجبهة من تأسيس حركة نسائية منظمة ومستقلة.
6- وأخيراً"التركيب القيادي في الجبهة السودانية يحسن التواصل مع التطورات في الساحة ويدرك أهمية التفاصيل في تلك التطورات وضرورة متابعتها، بينما يلاحظ أن قيادة جماعة الإخوان في مصر لا تحسن ذلك ولا تهتم بتفاصيل الموقف وتطوراته في ساحة مصر، ودائماً تنطلق من عموميات غير مبنية أساساً على نظرة موضوعية وواقعية". وقد استوعب الإخوان المصريون وصية النفيسي جيداً، وتابعوا تجربة الجبهة السودانية، بخاصة بعد انتفاضة 25 يناير الشعبية. فالمسار الحالي للإخوان لا يختلف في توجهاته وحتى تفاصيله أحياناً عن مخطط الجبهة الإسلامية بعد انتفاضة أبريل نيسان 1985 الشعبية في السودان، بدءاً من تغيير التسمية: الجبهة الإسلامية القومية في السودان، على رغم التناقض الضمني بين أممية الإسلام وفكرة القومية. لكن كلمة"قومية"في السودان المتنوع الثقافات لها أثر عاطفي كبير. وفي مصر صار الاسم: حزب الحرية والعدالة، وهو اسم لأي حزب يميني محافظ في الكاريبي مثلاً. وهم تخلوا عن اسم"الإخوان المسلمون"بما حمله من رمزية وإيحاءات امتدت أكثر من 80 سنة. والتسمية هنا ليست مسألة شكلانية لكنها دليل ناصع على البراغماتية إن لم يكن الانتهازية ومجاراة العولمة والليبرالية الجديدة.
يقلد الإخوان المسلمون المصريون رصفاءهم الإسلامويين السودانيين في التعامل مع الجيش. ففي السودان عملوا على هدفين: الاحتواء، وبيع فكرة أنهم السند الوحيد للقوات المسلحة. فقد عبّرت الجبهة الإسلامية عن هذا الموقف بلا غموض في برنامجها السياسي بعد الانتفاضة بالقول ب"دعم القوات المسلحة في حربها مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ... ثم رفض ممالأة الأحزاب، لا سيّما قوى اليسار لها ... وقد بلغت الجبهة الإسلامية ذروة ذلك الموقف بتسييرها لموكب: أمان السودان"، وفق المحبوب عبدالسلام. وهنا تصيب الجبهة هدفين: تؤكد مساندتها ثم تشكك بالقوى السياسية الأخرى. وهذا الوضع يتكرر الآن في مصر، ولأنهم عادة لا يميلون إلى التعبير صراحة عن مواقفهم، يقوم بذلك بعض المتعاطفين. نقرأ:"لا تزال ثقتنا كبيرة في مواقف المجلس العسكري ونزاهته السياسية. وهذه الثقة هي التي تدفعنا إلى التحذير من ابتزاز بعض المثقفين ممن يتمتعون بكثير من المعرفة وقليل من البراءة". فهمي هويدي.
ويكمن الاختلاف في حِرَفية المؤسسة العسكرية المصرية بينما كان الجيش السوداني مخترقاً تماماً، لذلك قام بانقلاب لمصلحة الجبهة فيه بعض من رد الجميل. ويقلد الإخوان المصريون الإسلاميين السودانيين، وهذه قد تكون سمة عامة لدى الإسلاميين: الميل إلى العموميات في القضايا الحرجة والحساسة كوضعية المرأة وأوضاع غير المسلمين، وحريات العقيدة والتفكير والرأي. ويتفق الاثنان على عدم الاجتهاد والاكتفاء بالاستعراضات السياسية كتعيين مسيحي هو رفيق حبيب في القيادة الجديدة للحزب. وللمفارقة، قامت الجبهة الإسلامية السودانية بحشد عدد من الجنوبيين في مكاتبها الحزبية. ولكن هذا لم يمنع من أن يفصل نظامهم الإسلامي الجنوب عن الشمال. وهذا هو الضعف الفكري الذي تعانيه الحركات الإسلامية بسبب غلبة السياسوي والحركي على عقلها. فنحن نفتقد الأدبيات والكتب الإسلامية التي اهتمت بوضعية غير المسلمين في الدولة الإسلامية المعاصرة في القرن الحادي والعشرين، لا العودة دوماً إلى مثال مجتمع المدينة، على رغم قيمته الدينية والتاريخية.
ويشترك الاثنان في العنف اللفظي لردع الخصوم وإسكاتهم كرمز لقوة المسلم. فهما يظنان أن العنف بأشكاله هو عين القوة، ولذلك يغلظان على الخصوم. ففي السودان كان للإسلاميين سبق وريادة إدخال صحف السبّ المجاني، وقد أسسوا صحفاً مثل"ألوان"و"الراية"أدخلت معها إلى السودان لغة وسلوكاً غريبين على أخلاق المسلم والسوداني معاً. واستمرت هذه المدرسة تنفث سمومها حتى اليوم حيث كبر صبيانها واحتلوا رئاسة تحرير عدد من الصحف. وقد حضرت إلى ذهني مباشرة تلك اللغة: التكفير والتخوين والقذف، عندما قرأت في الصحف:"قال الدكتور محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، إن المطالبين بتأجيل الانتخابات البرلمانية المقبلة يسعون لتحقيق مصالح إسرائيلية وأميركية، وضرب الاستقرار في البلاد". الصحف 5/7/2011.
وتذكرت مواقف الجبهة الإسلامية المعطلة للفترة الانتقالية. فقد رفضت التوقيع على ميثاق الدفاع عن الديموقراطية، والذي يضمن عدم اللجوء إلى الانقلاب العسكري. وقاطع الإخوان المسلمون مؤتمر الوفاق الوطني بدعوى أنه بديل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، ولكنه في الحقيقة خروج عن المواقف القومية. ويفضل الإخوان المسلمون، مثل الجبهة الإسلامية، الاستقطاب والمواجهة لتأكيد اختلافهم وخصوصيتهم. وعلى رغم أن مصر ليست السودان لكن الإسلاميين هم الإسلاميون أو الإسلامويون. وما أتمناه أن تتعلم مصر درس السودان.
* كاتب سوداني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.