لاحظ وجود رقعة بيضاء غير متجانسة وغير مؤلمة على سطح اللسان. ظن أنها آفة عابرة ستختفي عاجلاً أم آجلاً. ومرت الأيام والآفة ما زالت قابعة في مكانها. أخذ يقلق، فقرر، بعد تردد كبير، أن يستشير في أمرها. وبعد أن عاينها الطبيب ملياً أخذ منها عينة وأرسلها إلى المختبر. وبعد أيام أتت النتيجة لتكشف أن الطلاوة المذكورة أعلاه هي آفة ما قبل سرطانية. إن الآفات ما قبل السرطانية هي آفات سليمة، ولكنها إذا استمرت فإنها قد تتحول لاحقاً إلى أورام خبيثة، من هنا أهمية تشخيصها، ومراقبة تطورها عن كثب، وفي حال إثارتها لأية شكوك فإن الحل الأمثل وقتها هو بترها عن بكرة أبيها، لأن الإطاحة بها في مرحلة ذهابها نحو الخباثة لا يشكل مشكلة أياً كان نوعها، والأهم أنه يجنب المصاب الدخول في علاجات مكملة ثقيلة الوطأة مثل المعالجة الكيماوية، أو المعالجة الشعاعية. قد يسأل سائل: وما هي هذه الآفات ما قبل السرطانية ؟ هذه الآفات هي: - الطلاوة البيضاء في الفم، وهي من أشهر الآفات ما قبل السرطانية، وتشاهد في شكل أكبر عند الرجال الكبار في السن. وهناك أسباب عديدة متهمة أنها خلف ظهورها مثل التهيج المتكرر من طرف أحد الأسنان أو من طقم الأسنان الاصطناعي، وتدخين التبغ ومضغه، وإلإدمان على الكحوليات، وجفاف الفم الناتج من أمراض الغدد اللعابية، والأدوية المضادة للكولين، والتعرض للإشعاع، ونقص الحديد، ومرض الزهري في الطور الثالث. وتتظاهر الطلاوة البيضاء سريرياً إما في شكل رقعة بيضاء صغيرة واضحة الحوافي، أو في شكل آفة كبيرة تشمل مناطق واسعة من الغشاء المخاطي للفم، وقد يكون سطح الآفة ناعماً أو مجعداً، وقد يحتوي على شقوق، ويمكن أن يكون لون الآفة أبيض أو مصفراً أو رمادياً، وغالبية الآفات تكون ناعمة، بينما بعضها الآخر يكون قشرياً أو عقدياً. إن وجود أي صلابة أو تعقد في الطلاوة البيضاء يجب أن يثير الشبهات بحصول تغيرات خبيثة. إن معدل حدوث التغيرات الخبيثة في الطلاوة البيضاء يرتفع مع تقدم عمر الآفة. كما أن لموقع الطلاوة أهمية في التحول الخبيث، فقاع الفم هو الأكثر تعرضاً للخطر، إذ أن 43 في المئة من حالات الطلاوة في هذا الموقع تظهر درجات متباينة من التبدلات المشبوهة، أما اللسان والشفة فيحلان في الدرجة الثانية من حيث الخطورة. إن أي مريض يستشير لأول مرة في شأن الطلاوة البيضاء يجب أن يفحص سريرياً، ومن ثم تتم دراسة العوامل المؤهبة للإصابة، وبعدها يجرى الفحص النسيجي على الخزعة المأخوذة من المنطقة المشتبه بها . وبناء على المعطيات تبدأ الخطة العلاجية، مع التشديد على إزاحة عوامل الخطر. وإذا كان المريض مدخناً فيجب أن يتوقف عنه حالاً، فقد تبين أنه في حال هجر التدخين فوراً، فإن الطلاوة البيضاء تختفي خلال سنة في 60 في المئة من الحالات. - صعوبة تكاثر خلايا عنق الرحم التي تصيبها تحولات تصبح غير طبيعية، وهي ليست بالضرورة خلايا خبيثة، ولكنها قد تكون مؤشراً للتحول إلى خلايا سرطانية قادرة على الغزو في الطول والعرض إلى الأعضاء المجاورة والبعيدة. ومن بين عوامل الخطر التي تشجع على حدوث الخلايا الشاذة في أحضان عنق الرحم نشير إلى: 1- الزواج المبكر. 2- الالتهابات النسائية مثل السفلس، وداء التريكوموناس. 3- تعدد الشركاء الجنسيين. 4- نقص المناعة. 5- حبوب منع الحمل. 6- نقص بعض الفيتامينات مثل الفيتامين سي. 7- العدوى بالفيروس الحليمي البشري. 8- التدخين. 9- سوء التغذية. 10- وجود سوابق عائلية بسرطان عنق الرحم. ومن أجل رصد الخلايا غير الطبيعية المشبوهة في عنق الرحم يتم اللجوء إلى فحص مسحة عنق الرحم التي يمكن أن تشير إلى وجود بوادر خطر أو لا. ففي حال وجود مثل هذه البوادر، أي عند كشف وجود كشف خلايا شاذة، يوصى بتنظير عنق الرحم لتحديد موقع الآفة ما قبل السرطانية، ومن ثم عمل الخزعة للتأكد من التشخيص، وبعدها يجرى تطبيق الخطة العلاجية التي لا تخفى على الطبيب المختص والتي تشمل الجراحة أو التبريد أو استعمال أشعة الليزر. - فرط تقرن الجلد. وهو آفة جلدية موضعية تتميز بسمكها، وخشونتها، وببعض القساوة فيها. يمكن القول إن كل آفة جلدية تتحرك، أو تتبدل، أو تكبر، أو تحك، أو تحرق، أو تنزف، أو تسبب الألم، أو تلسع، يجب اعتبارها سرطانية إلى أن يثبت العكس، وطبعاً فلا داعي للهلع لأن أمراضاً جلدية سليمة كثيرة يمكنها أن تعطي الملامح المذكورة آنفاً. - بعض آفات الثدي. إن بعض التغيرات في الثدي قد تتحول إلى إصابات سرطانية في ما بعد، وهذه التغيرات قد تكون عقدية أوكيسية أو ليفية، وخير ما يمكن فعله مع هذه التغيرات هو اكتشافها ورصد نواياها وذلك من خلال سلسلة من الفحوصات التي تبين طبيعة تلك التغيرات سواء كانت حميدة أو خبيثة. ويعتبر تليف الثدي الكتلي من أشيع أفات الثدي التي تتحول إلى السرطان، وهو مرض شائع في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من العمر، والسبب الأكيد الذي يقف وراء هذه التليف غير معروف بدقة، ولكن الخبراء يشككون بدور الهرمونات الجنسية خصوصاً الأستروجين. ولدى فحص الخزعة المأخوذة من تليفات الثدي يظهر النسيج أنه يحتوي على المكونات الآتية: أكياس بيضاوية مدورة، وأنسجة متليفة شبيهة بالندبة، وفرط نمو في خلايا لمعة القنوات اللبنية، وتضخم في فصوص الثدي. إن الفحص السريري للثدي، والقصة المرضية، مدعومة بالاختبارات اللازمة مثل التصوير الشعاعي للثدي، والفحص بالأمواج فوق الصوتية، والخزعة، تمكن من وضع النقاط على الحروف، وتسمح بالتوجه نحو الخيار العلاجي الأنسب للمريضة سواء بإتباع العلاج المحافظ، أو اللجوء إلى رشف الآفة بالإبرة، أو باستئصالها بالمشرط الجراحي. - البوليبات القولونية. وهي عبارة عن لحميات ورمية غدية تنمو على البطانة الداخلية في أماكن مختلفة للأمعاء الغليظة القولون والمستقيم، ومعظم هذه البوليبات هي أورام حميدة، ولكن قلة منها قد تتسرطن. إن معظم حالات سرطان القولون تبدأ من البوليبات، وإن تحول هذه الأخيرة إلى ورم خبيث لا يحصل بين ليلة وضحاها، بل إلى مدة طويلة تراوح من 5 سنوات إلى 10. وفي غالبية الحالات هناك أرضية وراثية لنشوء البوليبات القولونية. ومن الضروري جداً رصد البوليبات القولونية باكراً ما أمكن، والعمل على استئصالها بصورة دقيقة كي لا تتحول إلى أورام سرطانية، ومن بعدها لا بد من المتابعة الدورية المنتظمة لكشف أية بوليبات جديدة. إن ظهور الدم في البراز يجب أن يدفع إلى الفحص الطبي. وعلى الذين يملكون أرضية عائلية أن يلتزموا المتابعة الطبية الدورية اعتباراً من منتصف العمر لإجراء التحريات اللازمة خصوصاً الفحص بالمنظار الذي يسمح بتحديد مواقع الورم وبالتالي عمل الخزعة لفحصها مخبريا. ويزداد احتمال التعرض للبوليبات الغدية القولونية بعد منتصف العمر، وفي حال الوزن الزائد، وعند المدخنين، ولدى أولئك الذين يملكون سوابق عائلية بسرطان القولون. - بعض آفات المريء. إن أي فرط تصنع خلوي يجرى في المريء يتم اكتشافه خلال الفحص بالمنظار على أثر مشاكل في المعدة أو في المريء، يجب متابعته في شكل حثيث من أجل رصد أية تبدلات قد تكون البذرة الأولى للسرطان. ويطاول سرطان المريء الرجال أكثر من النساء، وترتفع نسبة حدوثه بعد العقد السادس من العمر، وهناك عوامل تسهم في إشعال فتيل المرض نذكر من بينها: الارتداد المعدي المريئي، التدخين، البدانة، وجود سوابق عائلية للإصابة بسرطان المريء، وجود الداء الزلاقي مرض ناتج من الحساسية على الغلوتين الموجودة في الحبوب مثل القمح والشوفان. إن الآفات المذكورة أعلاه، قد تتحول إلى السرطان مع مرور الزمن، ولكن هذا المسار ليس إجبارياً طبعاً، بل هو مجرد احتمال، في المقابل، ففي حال وجود أي شك بوقوع هذا الاحتمال، فلا بد من المعالجة الجراحية الجذرية، التي تحمل معها الشفاء التام.