أبدأ الكلام بطرح هذه الأسئلة وهي: هل المواقف الإيرانية هي وراء تدهور العلاقة بين ايران والدول العربية في السنوات الأخيرة أم إن علة المشكلة في مكان آخر؟ وما هامش استقلال القرار العربي؟ وما السبيل الى حفاظ ايران على مصالحها؟ ويمكن تناول تدهور العلاقات العربية - الإيرانية من جوانب مختلفة، أبرزها الجانب الأمني المستند الى دواعٍ جغرافية سياسية واستراتيجية. وثمة رأي قائل إن من يستطيع السيطرة على المنطقة الخليجية، يبسط نفوذه في دول العالم كلها. ما السبيل إلى إرساء الأمن والاستقرار المستدام في هذه المنطقة؟ لا شك في أن الدول تنظر الى ثلاثة عوامل تؤثر في وضعها الأمني، وهي التهديدات الداخلية، والعدوان الخارجي، والتهديدات الإقليمية. وعليه، تبدو أهداف دول مجلس التعاون الخليجي التي تصبو الى الأمن والاستقرار المستدامين في محلها. لكن النظام الأمني في المنطقة انهار، وتعاظمت المنافسة الحادة بين دول المنطقة من جهة، وبين الدول هذه وبين الدول الأجنبية، من جهة أخرى. ويرقى الى البداهة ان الدول التي تريد التدخل في شؤون الدول الأخر? تتسلل الى المناطق التي يشوبها فراغ أمني. وفي مرحلة من الوقت، كانت ثلاث قوى تتحكم بمقاليد الأمن بالمنطقة الخليجية وهي بريطانياوالولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي. وعندما سعت بريطانيا لإحكام قبضتها على المنطقة هذه، تراجع منافسوها لأنهم شعروا بأن لا فائدة ترتجى من المنافسة في هذه المنطقة. ويوم قررت بريطانيا الانسحاب من المنطقة في 1968، وقع فراغ سعت دول كبيرة الى ملئه. وسعى الاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة الى دخول حلبة المنافسة. في وقت حاول لاعبون إقليميون مثل العراقوايران ودول خليجية المشاركة في المنافسة، سواء من طريق مباشر أو غير مباشر. وأجمعت إيران ودولة خليجية على موقف واحد نتيجة قربهما من الولاياتالمتحدة. وانحاز العراق الى القطب الآخر، أي الاتحاد السوفياتي. وتواصلت المنافسة الى 1975، تاريخ إبرام العراقوإيران اتفاق الجزائر. وساهم انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ونشوب الحرب العراقية - الإيرانية وما رافقها من تجاذبات أمنية وسياسية، مساهمةً بارزةً في بروز فراغ أمني جديد، بعد أن كانت إيران شرطي الخليج المدعوم من الولاياتالمتحدة. وأفضى الفراغ هذا الى اجتياح العراقالكويت. وساهم احتلال الكويت في تقارب إيراني - عربي. وسعت حكومة الرئيس الإيراني، هاشمي رفسنجاني، الى ترطيب الأجواء مع جارتها السعودية مراعاةً لمكانتها كأهم دولة عربية وأكبرها. فارتفعت أسعار النفط، وتعاون البلدان في مجالات مختلفة. وانتهجت حكومة الرئيس خاتمي سياسة تعزيز الثقة وتبديد التوتر وأسبابه مع الدول العربية. وعلى خلاف خاتمي، انتهجت حكومة الرئيس أحمدي نجاد سياسة عادت بالأوضاع إلى المربع الأول. ولكن هل تعزيز العلاقات ممكن مع الدول العربية؟ ثمة أربعة آراء تجيب عن السؤال هذا. الأول يقول إن تعزيز العلاقات هذه يرتبط بتحسن العلاقات الإيرانية - الأميركية. والثاني يرى أن تحسن هذه العلاقات وثيق الصلة بقوة ايران وتفوفقها. بينما يذهب الرأي الثالث الى ان بناء علاقات مستدامة مستحيل نتيجة عوامل التاريخ والجغرافيا. أما الرأي الرابع، فهو الأكثر واقعية، ويقترح انتهاج سياسة تعزيز الثقة وإزالة التوتر، وهذه سياسة حكومة الرئيس خاتمي التي سعت في تحويل علاقات التنافس صداقة وتعاطٍ إيجابي مع موضوعات الخلاف والآراء المختلفة. وعليه، يجوز القول إن النظرة الواقعية إلى السياسة، بعيداً من عالم نظرية المؤامرة، والتعاون، وترك التاريخ إلى الماضي، وتقويم إمكاناتنا تقويماً لا يجافي الواقع، هي السبيل الى تحقيق المصالح العربية والإيرانية المشتركة. * سفير إيران السابق في كل من السعودية والإمارات والكويت، عن موقع"ديبلوماسي إيراني"الإيراني، 25/5/2011، إعداد محمد صالح صدقيان