يعتقد كثيرون أن انتخابات الرئاسة الإيرانية المقبلة في حزيران يونيو المقبل ستكون من أهم الانتخابات منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979. وترجع الأهمية الى: أولاً: انها المرة الأولى التي يفكر فيها المشهد السياسي الإيراني بجدية برئيس جديد للبلاد بعد انتهاء الولاية الأولى للرئيس الحالي، فالرؤساء السابقون علي خامنئي 1981 ? 1989، علي أكبر هاشمي رفسنجاني 1989 ? 1997، محمد خاتمي 1997 ? 2005 أمضى كل منهم ولايتين كاملتين مدتهما ثماني سنوات من دون أن يتعرض الرئيس بشكل جدي لمضايقات بعد انتهاء ولايته الأولى، إلا في ولاية الرئيس أحمدي نجاد. ثانياً: هذه الانتخابات تأتي في وقت يسعى فيه الرئيس الأميركي الجديد لانتهاج سياسة تتعاطى مع الدول الإسلامية ? ومنها إيران ? بناء ? كما قال ? على المصالح المشتركة بين الطرفين. ثالثاً: تتزامن الانتخابات مع تطورات إقليمية، في العراق ولبنان وفلسطين، تؤثر على السياسة الإيرانية، من خلال الورقة الإيرانية المتواجدة في ملفات هذه الدول، وبذلك على ايران دفع الاستحقاقات الاقليمية في مجالات السياسة أو الاقتصاد وحتى الأمن. وبالتأكيد فإن السياسة الخارجية الجديدة سواء كان رئيسها أحمدي نجاد أو أحد منافسيه، ستكون محط أنظار دول الإقليم، ناهيك عن أنها ستكون موضع اهتمام الدول المعنية بالشؤون الإيرانية والأوضاع في المنطقة. إضافة الى ذلك، فإن تفاصيل هذه السياسة ستؤثر بشكل أو في آخر في الداخل الإيراني، على الصعد: الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية. والى الآن، فإن رئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي هو المرشح الرئيسي في هذه الانتخابات، في مقابل الرئيس محمود أحمدي نجاد، وهذا لا يمنع التكهن بمرشحين آخرين كمحمد خاتمي أو مير حسين موسوي. أعلن خاتمي انه سيترشح وفاء لعهد قطعه للشعب، على رغم رغبته الشخصية بالمنصب. ولن نبذل جهداً في تعريف السياسة الخارجية لحكومة نجاد التي أصبحت واضحة خلال السنوات الأربع الماضية، فهو نادى منذ أن تسلم الرئاسة ب"زوال اسرائيل من الوجود"، مما انعكس سلباً على علاقات ايران بالأسرة الدولية، وتحديداً مع الاتحاد الأوروبي، ومن غير المتوقع أن يلجأ نجاد الى تغيير سياسته في هذا الشأن. أما علاقته مع الدول العربية، الخليجية تحديداً، فإنها شهدت تراجعاً واضحاً في مستوى التعاون، وانحازت للتنافس بدلاً من التنسيق الذي شهده عهدا الرئيسين رفسنجاني وخاتمي. أما مهدي كروبي، المعروف بشفافيته وصراحته، فإنه كان واضحاً عندما قال:"ان السياسة الخارجية الإيرانية وصلت الى الطريق المسدود، على رغم وجود بعض المنافذ التي ما زالت مفتوحة"، مضيفاً في تعريفه السياسة الخارجية التي يعتزم انتهاجها:"يجب أن نعمل على إقامة أفضل العلاقات مع الأسرة الدولية ? عدا إسرائيل ? تستند على الهوية الوطنية والأصول الثابتة". ولم يدخر كروبي جهداً في التعبير عن رغبته في إقامة علاقات وثيقة مع الدول الإقليمية والدولية بما في ذلك الولاياتالمتحدة. أما مير حسين موسوي، المرشح المحتمل الآخر، فإنه يرسم السياسة الخارجية من زاوية أخرى:"يجب علينا إقامة أفضل العلاقات مع إسلام أباد وأنقرة وباكو ودوشنبه وكابول قبل الطلب من نيويورك وباريس ولندن الكف عن مخاصمة ايران". وفي ما يخص الرئيس محمد خاتمي فإن السياسة الخارجية التي انتهجها خلال سنوات ولايته الثماني كافية للدلالة على نهجه مع تغيير يتناسب والتطورات. وأياً كانت سياسات الرؤساء الإيرانيين، يجب أن نقف أمام حقيقة واضحة هي ان السياسة الخارجية الإيرانية ربما لم تكن تستند كثيراً في عناوينها العامة وأصولها على سياسات الحكومات، بقدر ما تستند الى نصوص الدستور والى القيادة الإيرانية المتمثلة بمنصب"ولي الفقيه". فهذه القيادة، هي التي ترسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية، وتحديداً في الملفات المهمة والاستراتيجية. وتعمق هذا الأمر في عهد آية الله علي خامنئي، واستحدثت هيئة استشارية عليا ? بناء على الدستور ? تسمى"مجمع تشخيص مصلحة النظام"يرأسها هاشمي رفسنجاني، إضافة الى ان مكتب خامنئي يضم مستشارين في مجالات مختلفة، ناهيك عن الدوائر التي يتشكل منها هذا المكتب وتعطيه هامشاً كبيراً من الحركة تجاه الملفات الاستراتيجية. لذلك لا نتوقع تغييراً في الاستراتيجيات، وانما قد تكون في التفاصيل أو في درجة التعاطي. ومن هذه الاستراتيجيات: 1 - ايران ستصر على تنفيذ برنامجها النووي، وهي لن تفكر بأي تغيير في هذه السياسة حتى تحصل على التقنية الكاملة للنشاط النووي بما في ذلك أنشطة التخصيب. 2 - السياسة الإيرانية تجاه الولاياتالمتحدة لن تتغير، ما لم تشهد سياسة الرئيس باراك أوباما تغييراً فعلياً حيال إيران. 3 - إيران لن تعترف بإسرائيل مهما تغيرت الظروف، وهي لا ترى مصلحة وطنية أو قومية في مباحثات السلام مع إسرائيل، لذلك تعارض أي مبادرة سلمية تجاه إسرائيل. 4 - دعم ايران المقاومة في فلسطين ولبنان وتبني خيار المقاومة. 5 - المطالبة بخروج القوات الأجنبية من الشرق الأوسط. 6 - المطالبة بتعزيز الاتفاقيات الأمنية الإقليمية كبديل عن الاتفاقيات بين بعض الدول الإقليمية والدول الأجنبية، وتحديداً الولاياتالمتحدة. 7 - السعي الى تعزيز العلاقة مع سورية باعتبارها علاقة استراتيجية. 8 - النظام الدفاعي الإيراني يرتكز على حجم التهديدات العسكرية الأميركية والإسرائيلية، إضافة الى الوجود الأجنبي في المنطقة. 9 - تنظر إيران الى مواقف مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي باعتبارها انعكاساً لسياسة متناقضة تنتهجها الدول الأعضاء حيال إيران، وانها لا تستطيع تغيير سياستها بناء على رأي هذه الدول. بناء على ما تقدم تظهر جلياً هذه الاستراتيجيات التي تلتزم بها أية حكومة في ايران، وعلى الرئيس الجديد صوغ برنامجه الانتخابي وبرنامج حكومته وفق هذه الاستراتيجيات. نشر في العدد: 16745 ت.م: 07-02-2009 ص: 27 ط: الرياض