تنشط إسرائيل وأميركا في تكثيف البحث عن سبل لتقديم شيء ما زال مجهولاً للسلطة الفلسطينية، وذلك كخطوة أو إشارة إلى تعبيد الطريق نحو إقامة كيان فلسطيني يسمونه دولة، ويسبق هذا التنشيط اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول سبتمبر، والذي يمكن أن يعترف بدولة فلسطينية. لا علاقة لهذا التنشيط باجتماع الحمعية العامة التي سبق أن اعترفت بحقوق فلسطينية، وإنما علاقته مباشرة بالتغيرات التي تحصل على الساحة العربية. فإسرائيل وأميركا تدركان أن معادلة الذل والخنوع في الساحة العربية أخذت تتغير، وأن تلك الأنظمة التي كانت تتلقى الأوامر وتنفذ لغير مصالح الأمة العربية تتهاوى، أو في طريقها إلى التهاوي. لذا تريد الدولتان استباق الحدث، وتقديم شيء قد يبرر للسلطة الفلسطينية المضي في التفاوض، والموافقة على الكيان الفلسطيني الهزيل، الذي سيعمل وكيلاً أمنياً لإسرائيل. هناك ثابتان فلسطينيان فقط، هما حق العودة وحق تقرير المصير، وأن كل تجاهل لأي من هذين الثابتين يشكل عدواناً على الشعب الفلسطيني، ومحاولة سافرة لتجاوز الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. إقامة الدولة ليست من الثوابت، وإنما هي عبارة عن حق تقرير المصير. عندما يعود اللاجئون، ويتم الإقرار بحق تقرير المصير لشعب فلسطين، فإن الشعب سيقرر لنفسه وبنفسه إذا كان يريد إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، أو الانضمام الى وحدة تجمعه مع دولة أو دول عربية أخرى. لذا، من المهم ألا يحاول أحد إضاعة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني ببريق دولة لن تكون مستقلة، ولن تكون منفصلة عن الأمن الإسرائيلي. وإذا كان للولايات المتحدة والدول الأوروبية ان تصنع سلاماً، فإن الاعتراف بحق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم في الأرض المحتلة 48 هو المقدمة. قد تنجح هذه الدول الآن في إقناع بعض الفلسطينيين بفكرة توسيع صلاحيات السلطة الفلسطينية، وتوسيع المناطق المصنفة أ وفق اتفاقية طابا لعام 1995، لكن هذا لن يقنع الشعب الفلسطيني الذي يصر على كامل حقوقه. من يبحث عن سلام، لا يهرب من الاستحقاقات. وإسرائيل تدرك تماماً أن ميزان القوى قد تغير، وأن البيئة السياسية التي أنتجت اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة قد تركناها خلفنا، وأن هناك بيئة سياسية جديدة تتبلور الآن في المنطقة العربية. وما كان يصلح لبيئة سياسية سابقة، لا يصلح لبيئة سياسية جديدة، وما كان يمكن أن يكون مقبولاً في السابق، ليس مقبولاً الآن، وما يمكن أن يكون مقبولاً الآن، لن يكون مقبولاً بعد عام. عبر سنين طويلة، لم تقتنع الولاياتالمتحدة بأن العرب لا يختلفون عن الشعوب الأخرى، وأنهم في النهاية سيثورون. وعساها تقتنع الآن بأن عليها احترام إرادة الشعوب بدلاً من البحث عن أساليب التحايل على هذه الإرادة. ولعل علماءها يؤكدون لها أن الفلسطينيين لن يعملوا وكلاء لإسرائيل في الوقت الذي تنبثق فيه الأمة وهاماتها مرفوعة بعزة وإباء. فمن الحكمة لمن يريد المستقبل، ألا يبحث عن عناوين أهل الماضي. عبدالستار قاسم - بريد الكتروني