الموسم ربيع، والقضية النسائية في المغرب تعيش ربيعاً لم تشهده مواسم مسارها على مدى عقدين أو أكثر، في ظل الحراك السياسي القوي في الشارع المغربي، الذي أعلن منذ 20 شباط فبراير انضمامَه للحراك الإقليمي المطالِب بإرساء سلطة الشعب. أزهر ربيع نساء المغرب مع خطاب العاهل المغربي ودعوتِه لتعديل دستور البلاد في التاسع من شهر آذار مارس الماضي، تزامناً مع ربيع الديموقراطية الذي أزهر مع ثورة الشعوب العربية. شكلت نساء المغرب إثر الخطاب الملكي تحالفاً سمّينه"الربيع النسائي للديموقراطية والمساواة"، استثماراً ل"لحظة تحول حقيقية في مسار النهوض بحقوق النساء وحمايتها من مدخل تأصيلها الدستوري". وأعلنّ عبر تحالفهن رؤيتَهن ومطالبَهن وموقفَهن من موجة التغيير والإصلاح التي يقف المغرب على عتبتها، في اختبار قوي للديموقراطية، يبدأ بتعديل الدستور في أفق طرحه لاستفتاء شعبي مطلع الصيف المقبل. وأبرز مقترحات التعديل الدستوري إحداثُ مجلس وطني ومجالسَ محليةٍ للمساواة بين الجنسين، ووزارة للمساواة وحقوق النساء والمناصفة في ولوج مراكز القرار وتجريم العنف ضد النساء، واعتباره انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان ومسّاً خطيراً بالنظام العام. ربيع نساء المغرب لا تستقيم عنده الديموقراطية من دون الاعتراف بالحقوق الإنسانية للنساء، هن اللواتي يمثلن أكثر من 50 في المئة من الشعب المغربي 50.7 في المئة من الشعب وفق إحصاء سنة 2004، وعدد منهن عنصر فاعل في الحركة النضالية المجتمعية. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، يوجدن"في قلب الدينامية الفاعلة من أجل إصلاح دستوري شامل وعميق يصب في ملكية برلمانية، تتأسس على احترام المبادئ الكونية لحقوق الإنسان في شموليتها، ومن ضمنها مبدأ المساواة بين النساء والرجال في الحقوق كافة". طالب التحالف النسائي، الذي ضم عشرات الجمعيات والشبكات النسائية والحقوقية والتنموية والشبابية والتعاونيات في مختلف مناطق المغرب، في مذكرة رفعها الأسبوع الماضي إلى اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور، التي كلّفها الملك بالمهمة بعد خطابه، بجملة من الإصلاحات والضمانات الدستورية لإعطاء المرأة مكانتها ودورها الحقيقي في التطور المجتمعي بأصعدته كافة، ينبني أساساً على سمو القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني على القوانين الوطنية، باعتباره المرتكز الأساسي للتشريع. ويفترض بالدستور الجديد أن ينص على المساواة بين النساء والرجال في الحقوق كلها، السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وهو ما سيلغي"اللغة الذكورية"عن الدستور الجديد، ويُحِلّ محلَّها لغةً منصفة ومتوازنة تتوجه إلى"النساء والرجال"و"المواطنين والمواطنات"في الآن ذاته، مع دسترة إقامة مجلس وطني لحقوق المرأة والمساواة وعدم التمييز بين الجنسين، ترأسه امرأة، تشكل فيه النساء 50 في المئة من مجموع الأعضاء، ويعمل كآلية لمتابعة تفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالمساواة ومناهضة التمييز والعنف ضد النساء. وتبلغ نسبة النساء في مراكز القرار في المغرب 10 في المئة فقط، وتمثيلهن في البرلمان رمزي، وخاضع لكوتا متأثرة بتوافق الأحزاب. ولأجل تفعيل الدور الحيوي للمرأة، طالبت النساء بإقرار المناصفة في النفاذ إلى مواقع القرار كلها، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقضائي والإداري، في جميع الهيئات، وعلى المستوى الوطني والجهوي والمحلي، وإن كنَّ في مرحلة أولى يراهنَّ على الثلث في أفق المناصفة، وطالبن الدولة بتحمل مسؤولية اتخاذ كل التدابير ووضع السياسات والآليات الكفيلة بتفعيل المساواة بين الجنسين في مختلف مراحل بلورة السياسات العمومية وإنجازها وتقييمها. ويلاحِظ التحالف النسائي أن النساء يعانين في مجال العمل عوائق ومشكلات عدة، كالتقاعد المبكر من سوق العمل، والتمييز في الترقية والأجر والمنح المختلفة... وغيره. وتعاني النساء العاملات في المقاولة صعوبةً في الحصول على القروض الكبرى وبرامج الاستثمار، ما يبقي حجمَهن صغيراً جداً Micro-enterprise. كما أن نسبة استحواذ النساء على الثروة ضعيفة جداً 2 في المئة فقط من الأملاك العقارية للنساء، 4.4 في المئة من الأراضي تستغلها نساء، 2.5 في المئة فقط منها أراض نافعة. تعمل غالبية النساء في المغرب بالبوادي والمدن في إطار المساعدة العائلية من دون أجر. ووضع مثل هذا يحتاج، بحسب التحالف النسائي، إلى دستور ينص على قانون إطار للمساواة في تمكين النساء من الموارد والاستثمار، والقضاء على أشكال التمييز بسبب النوع كلها، بآليات وتدابير إيجابية للتفعيل الحقيقي، ومراقبة تطبيق المساواة في ولوج مناصب الشغل وتقييمها، والترقية، والتكوين، والتأهيل، وولوج مجالات العمل والإنتاج كلها، والمساواة في الأجر مقابل العمل المنتَج لقيمة مضافة بعينها، والاستفادة مناصفة من الميزانيات والموارد، والمساواة في الحصول على القروض وفرص الاستثمار في الميادين كلها، وامتلاك الثروات والموارد واستغلالها. ويعتبر التحالف النسائي رؤيته لإصلاح الدستور"حصيلةً متقدمة لنضالات القوى الديموقراطية والحداثية، وتجاوباً إيجابياً مع نبض المجتمع في سياق الحراك السياسي المجتمعي والشبابي الذي يشهده المغرب وعموم المنطقة العربية"، وأن شرط تحقيق ما تقتضيه المرحلة يتوقف على جعل الحقوق الأساسية للمغربيات"رهاناً محورياً للدمقرطة والتحديث والعدالة الاجتماعية وترسيخ القيم الكونية لحقوق الإنسان".