وافق اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة هذه السنة، يوم دُعي المغاربة إلى التوجه في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في أول انتخابات تشريعية تُجرى بعد تعديل الدستور الصيف الماضي. صخب الحدث السياسي القائم في خضم حراك عام في الشارع المغربي، امتصَّ الذكرى السنوية التي تنتظرها النساء المناضلات لإشهار ورقة حقوق المرأة والمساواة في وجه المجتمع، من أجل تعزيز المكاسب ومواصلة انتزاع الحقوق، علماً أن المرأة خلال السنة الجارية كسبت تشريعياً معركة المساواة والحقوق في الدستور الجديد الذي أتى في سياق ثورة الربيع المغربي والعربي. «لماذا لم يتم اختيار يوم آخر؟ ألا يساهم ذلك في طمس هذا اليوم، وملايين النساء يعانين مختلف أشكال العنف؟»، تساءلت عضو المرصد المغربي لحقوق النساء، نجاة رازي، قبل يوم من الاقتراع في لقاء نظمته في الدارالبيضاء جمعية نسائية ترأسها («عيون نسائية»)، لعرض تقريرها السنوي حول العنف ضد المرأة، وفضّلت جمعية أخرى، «فيديرالية الرابطة الديموقراطية للدفاع عن حقوق المرأة»، تأجيل عرض تقريرها إلى ما بعد الاقتراع. شاركن في الانتخابات رغم «الغبن» مع ذلك، لم يرفعن الراية البيضاء، إذ لم تفوّت «المناضلات» فرصة الانتخابات التشريعية التي أقيمت في يوم المرأة، وسمعت المغربيات لدى انطلاق الحملة الانتخابية نداء يدعوهن إلى المشاركة في الاقتراع والتصويت لمصلحة الأحزاب التي وضعت مكافحة العنف ضد النساء في برامجها الانتخابية ودافعت عن الحاجة إلى وضع قانون إطار لمناهضة هذا العنف. وخلال فترة الحملة الانتخابية، كانت حملة النساء تردد عبر محطات إذاعية محلية، وصلات تذكّر المرأة المغربية بأن» الفرصة هاهي جات، 25 نوفمبر موعد الانتخابات، ردي بالك (انتبهي) وصوتي على الناس اللي غادي (سوف) يمنعون العنف، ويضمنون لك مساواة وحرية وعدالة اجتماعية تحميك من العنف والحكرة» (الغبن والاحتقار). وعبرت المناضلات عن خيبتهن في المنتخبين الذين لم يولوا قضيتهن أهمية كبيرة في برامجهم، وتقول رئيسة جمعية عيون نسائية: «حتى لو تجاوزنا احتمال الرغبة في طمس تخليد اليوم العالمي لمناهضة العنف، ونظرنا إليه بإيجابية لكونه مناسبة أمام السلطات والهيئات السياسية المشاركة في الانتخابات لطرق قضية العنف ضد النساء في دعاياتها وبرامجها السياسية في شكل قوي، إلا أننا للأسف، لم نجد الأثر الذي كنا نرجوه». وبرزت هذه الخيبة النسائية في شكل مبكر قبل ثلاثة أشهر إبّان الإعداد للقانون الانتخابي الجديد وتمثيل النساء في مجلس النواب وفق الدستور الجديد، في شكل صدامات بين المناضلات الحقوقيات والحزبيات وبين الأحزاب ووزارة الداخلية وحركة الشباب التي أقرّ لها الدستور تمثيلية في الهيئة التشريعية للبلد. ووصلت المواجهة بين هذه الأطراف حدّ تهديد النساء بمقاطعة الانتخابات إذا ما تمّ القفز على نصوص الدستور القاضي بالمناصفة والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من قوة تمثيلية داخل المؤسسة التشريعية تمكنها من المشاركة في اتخاذ القرار. مبدأ المناصفة بعيد بيد أن التهديد لم يجد نفعاً، وقُصّت مطالب النساء على مقاس أحزابهن، من 90 مقعداً إلى 60 فقط في البرلمان الجديد (عبر القائمة الوطنية)، ورضين مجبرات باقتسام الحصة مع الشباب، وظلّ طموح بلوغ نسبة ثلث مقاعد البرلمان (395 مقعداً) بعيد المنال، في حين ابتعدن كثيراً جداً عن الطموح في تفعيل مبدأ المناصفة الذي ربحنه دستورياً العام الجاري. ولم تجرؤ الأحزاب أيضاً على ترشيح مناضلاتها على رأس القوائم المحلية (3.75 في المئة)، وانتهت نتائج الانتخابات بفوز سبع نساء في القوائم المحلية إضافة إلى حصة الستين. وبفضل الحركة التي أضفاها تعديل الدستور والأجواء العامة للاحتجاجات ومطالب التغيير والديموقراطية القائمة، تضاعف عدد النساء في البرلمان المغربي مرتين، من 34 إلى 67 مقعداً (ما نسبته من 10.5 في المئة إلى 17 في المئة)، لكن قوّتهن ستظل خلال الولاية التشريعية الحالية محدودة في غياب قوة الثلث، علماً أن حضورهن في المجالس المحلية القائمة قبل تعديل الدستور زاد بقوة من 127 امرأة إلى 3428، ويُرجّح أن يبقى الوضع تصاعدياً بعد إجراء الانتخابات المقبلة. ويُنتظر أن تكون مهمة النساء صعبة سواء داخل البرلمان أم في الحكومة الجديدين لتشكيل قوة تأثير لتحريك عملية التقيد بمكانتهن وحقوقهن في الدستور الجديد، وفرض رؤيتهن في السياسات الاجتماعية والقوانين التنظيمية ولا سيما ضمن هيئة المناصفة ومناهضة التمييز التي أقرها الدستور. ويشكّل البت في ملفات قوانين عالقة في الحكومة السابقة (مشروع قانون لمكافحة العنف الزوجي ومشروع قانون لمنع تشغيل الفتيات خادمات بيوت ومشروع قانون بالسماح بالإجهاض الطبي) أول اختبار لوزن النساء وقوتهن وهن يقفن اليوم على محك التحولات الاجتماعية الكبيرة ومطامح المناصفة والمساواة الكاملة.