لطالما وُصِفَت الملاريا بأنها الداء الذي قتل شخصاً من كل خمسة وُلِدوا على سطح الأرض. في الأمر إشارة الى الانتشار الهائل لهذا المرض، الذي تنقله بعوضة"الأنوفليس"Anopheles Mosquito عندما تعقص الناس. وتعيش هذه البعوضة في المستنقعات والأماكن التي تتجمّع فيها المياه الآسنة. واشتقّ العلماء إسم المرض من الرائحة الكريهة التي تصدر عن هذا النوع من المياه. إذ إن ترجمة الإسم اللاتيني للمرض هي"الهواء الرديء"Malaria. وشهدت مكافحة المرض في العصر الحديث محطات مهمة، مثل مكافحة تجمعات المياه الآسنة في المدن، وهي التي خلّصت لندن من الملاريا كلياً منذ ما يزيد عن قرن ونصف القرن. وفي خمسينات القرن العشرين وستيناته، حملت مادة"دي دي تي"أملاً بالقضاء على الملاريا، عبر القضاء على تجمّعات بعوضة"أنوفليس". وسرعان ما خبا الأمل، مع ظهور مقاومة من البعوض لهذه المادة. وظلّت الوقاية رهناً بجهود مكافحة النفايات وتحسين طرق الصرف الصحي، وتحسين أقنية الري، والارتقاء بإمدادات المياه وتنقيتها، ورفع مستوى نظافة مياه الشفة، إضافة إلى إجراءات ما زال مشكوكاً في فعاليتها مثل أغطية الأسرّة تسمى"الناموسية"في كثير من اللهجات العامية المضمّخة بمواد كيماوية تطرد البعوض. وتلقى هذه الأغطية دعماً كبيراً من"مؤسسة ميليندا وبيل غيتس"الخيرية، خصوصاً في أفريقيا. ندرة الأدوية المؤلم في تاريخ الملاريا هو تجاهل الطب الحديث لها. إذ ظلت الأدوية المشتقة من شجر الكينا هي أساس العلاج لعقود طويلة. ولطالما استخدم أبناء الدول المتخلفة في أفريقيا وآسيا أوراق الكينا ولحاءها، نقعاً وغلياً، في علاج هذا الداء! لم يتحرك العِلم ليكتشف أدوية جديدة للملاريا، إلا عندما تعاظم التورّط العسكري الأميركي في فيتنام بعد منتصف القرن الماضي. وظلّت الجهود الرامية لصنع لقاح للوقاية من هذا الوباء، ضئيلة مقارنة بالحجم الهائل لهذا الوباء. ومع اقتراب 2011 من ختامه، نشرت"منظمة الصحة العالمية"تقريراً أكد أن الملاريا، على رغم تراجعها نسبياً، أودت بحياة 655 ألف شخص عام 2010، تقطن غالبيتهم في إفريقيا. وطاولت وفيات الملاريا أطفالاً تقل أعمارهم عن سن الخامسة بنسبة 62 في المئة. وسجل التقرير أن هذه الأرقام تمثّل انخفاضاً نسبته 5 في المئة، مقارنة بعام 2009. ورصدت هذه المنظمة 216 مليون إصابة ملاريا جديدة عام 2010، قرابة ال81 في المئة منها في إفريقيا، التي ما زالت الموطن الأول لوباء الملاريا، إضافة الى مجموعة اخرى من الأوبئة مثل الإيدز. ومنذ عام 2000، انخفضت الوفيات الناجمة عن الملاريا بنسبة 26 في المئة، وفق المنظمة التي اعتبرت ان هذا التقدم"مهم"لكنه لا يزال دون الهدف الذي حدّدته هي بنفسها، والمتمثّل في خفض انتشار الوباء إلى النصف. واستناداً الى هذا الفشل، أعادت المنظمة النظر في الأهداف الواجب تحقيقها بحلول عام 2015، مثل خفض وفيات الملاريا الى الصفر تقريباً، وإنقاص انتشاره بنسبة 75 في المئة أيضاً. وفي المقابل، لا تزال المنظمة عاقدة العزم على القضاء على الملاريا في عشرة بلدان لم تكن مُدرَجَة في القائمة التي وضعتها المنظمة عينها في 2008. وبغية تمويل مكافحة الملاريا، استطاعت منظمات دولية متنوّعة جمع بليوني دولار. ويبقى هذا المبلغ أقل كثيراً من المبلغ الذي تعتقد المنظمة بلزومه كي تُكافَح الملاريا بفعّالية، وهو خمسة بلايين دولار سنوياً، بين عامي 2010 و 2015. وبفضل هذه الأموال، تتمكن البلدان التي يستوطن فيها وباء الملاريا، من شراء"ناموسيات"مشبعة بالمبيدات وتدعيم خطط الوقاية العامة المتصلة بهذا الوباء. وفي إفريقيا جنوب الصحراء، باتت هذه ال"ناموسيات"متوافرة لدى 50 في المئة من الأُسَر في 2011، على رغم أنها لم تكن متاحة سوى ل 3 في المئة من الأُسَر في 2000. أرباح الوباء من أصل 99 بلداً يستشري فيها المرض، سجل 43 بلداً انخفاضاً بأكثر من النصف للحالات الجديدة التي شُخّصت خلال السنوات العشر الأخيرة. وبصورة عامة، تشدّد"منظمة الصحة العالمية"على ضرورة التأكّد من التشخيص عبر فحوص الدم، قبل البدء بالعلاج. وارتفع عدد أدوات فحص الدم التي تنتجها الشركات العملاقة للأدوية، من 45 مليوناً في 2008 إلى 88 مليوناً في 2010. وتعني هذه الأرقام أن الملاريا تدرّ أرباحاً طائلة على هذه الشركات، التي لم يُعرف عن مختبراتها وعلمائها وبحّاثتها، انخراطهم في جهود صنع لقاح للوقاية من الملاريا. ووفق التقديرات، هدّدت الملاريا في 2010 قرابة 3,3 بليون شخص، تعيش أكثريتهم في إفريقيا وجنوب شرقي آسيا. وتشكل وفيات الملاريا غالبية كبيرة قرابة 60 في المئة من إجمالي الوفيات في نيجيريا وجمهورية الكونغو الديموقراطية وبوركينا فاسو وموزمبيق وساحل العاج ومالي، وتنتمي هذه الدول كلها الى القارة الأفريقية. وفي سياق تقريرها المشار إليه أعلاه، طلبت"منظمة الصحة العالمية"من البلدان الغنية والصاعدة، فرض ضريبة على تذاكر السفر، يستعمل مردودها في تمويل مكافحة الملاريا.