"الضغط يولد الانفجار"... هذه قاعدة علمية تنطبق على السياسة والمجتمع وغير ذلك. لقد بالغت النظم الشمولية الاستبدادية في إهانة شعوبها وامتهانها وتدميرها حتى تساوت الحياة بالموت عند الكثيرين بل أصبح الموت أفضل من حياة في ظل بعض النظم المنحطة إلى أسفل الدركات! وأدى ذلك ? مع شيوع الوعي والانفتاح الإعلامي وغيره ? إلى ثورة الشعوب وتمردها على واقعها الآسن، فانتفضت انتفاضات عفوية عشوائية ? في الأغلب ? بهدف التخلص من الظلم. وساد كثير من الفوضى. ولا شك أن الأعداء يرصدون ويدبرون، ولا يمكن أن يظلوا صامتين أو سلبيين يكتفون بالتفرج على الأحداث. فلا بد أن يحاولوا تجنب أي ضرر يصيبهم من تلك الفورات أن لم يستطيعوا حرفها أو إحباطها أو تجييرها لمصالحهم بوسيلة أو بأخرى. وأكثر ما هجسوا به هو سيطرة الإسلاميين على الأمور ما يفشل خطط المتآمرين. ويكون خطراً على قاعدتهم الكبرى إسرائيل. وهم يعلمون أن ذلك ممكن بل هو أغلب الاحتمالات ? إذا سارت الأمور سيراً طبيعياً لعلمهم بالشارع العربي والإسلامي وحقيقة توجهاته الغالبة. لكننا نجد كثيرين من الإسلاميين الذين لم يشاركوا بكلمة في الثورات الشعبية إلا أنهم يريدون قطف ثمار زرع لم يساهموا فيه. بل ويقطفون بعضه بالفعل! مع أن كثيراً من حركاتهم وأفكارهم وطروحاتهم ساذج وبدائي. وكثيراً ما يتصادم مع الواقع والوقائع لجمودهم على ظاهر النصوص مثلاً. أن النظم التدميرية قضت عشرات السنين في تحطيم مقومات الأمة وتكريس تجزئتها وتخلفها وتبعيتها وتضخيم مديونياتها حتى كادت تتركها بلاداً خاربة فلا يكاد بلد يملك القدرة على الاعتماد على نفسه خصوصاً في أهم الاحتياجات كالغذاء والدواء والمقومات الأساسية للحياة ما يجعل وراثة أوضاع كتلك الأوضاع المهترئة المهشمة المعتمدة على الغير في أغلب شؤونها مغامرة خطيرة. فمن يرث ملايين الجياع من أين يطعمهم، وقوتهم يعتمد على الاستيراد اليومي من الخارج؟ ومن أين يأتي برواتب ملايين الموظفين والجنود وغيرهم من موازنات تكاد تكون خاوية من النهب والخيانة وسوء التصرف. ومن اقتصاد شبه متدهور ومن ميزان عجز عال على أرضية مديونيات هائلة. وماذا يقول لأصحاب الديون إذا جاؤوه مطالبين بديونهم؟ أو جاءه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ليفرضا عليه شروطهما المجحفة؟ إن تصدي الحركات الإسلامية لوراثة أوضاع كالتي نعرف والتي وصفنا مغامرة كبيرة. وربما لا تعدو أن تكون فخاً غير مباشر نصب لها أو استُدرجت هي إليه. على الإسلاميين أن يكتفوا بالمشاركة الفاعلة والمساهمة في مراقبة الأوضاع وتصحيح معوجها حتى تعتدل الأمور ويكون بالإمكان التعرض لتولي المسؤولية. وإنا لنشفق أن يقال بعد حين لقد تولى الإسلاميون الحكم ففشلوا. أو لا قدر الله أن يقال: لقد فشل الإسلام في معالجة الواقع. أمر آخر: إن النظم السابقة لم تكن تقيم لشرع الله وزناً، بل كانت كثيراً ما تحارب بعض مظاهره وتكرس بعض الظروف والأوضاع لمحاولة شل حركته ومنع تطبيقه فكرست أوضاعاً اقتصادية واجتماعية وسياسية وتربوية وإعلامية وفنية ودولية مناقضة لكثير من تعليمات الشرع. فكيف سيتخلص الاقتصاد من الربا والتبعية؟ هل سيرضى مسلم أن يكون مسؤولاً عن أوضاع ربوية؟ أو عن معاهدات خيانية أو علاقات مشبوهة أو مفروضة؟! أو ضلالات فكرية أو إعلامية وفنية أو ألوان من السرقات والتجاوزات والجرائم المتنوعة؟ أو خراب ذمم كثيرين من المسؤولين؟ وهل يملك إصلاحهم أو تغييرهم كلهم؟ أن معالجة تلك التركات المثقلة تحتاج لزمن غير قصير يكون فيه الإسلاميون ? بنقائهم وضميرهم الإسلامي وإخلاصهم لله وللأمة والدين - مساهمين ورقباء وضامنين متضامنين، وليسوا متصدرين، حتى لا يتسع الخرق على الراقع، ولا تكون انتكاسات لا تحمد عقباها. مع أن الإسلام هو أمل البشرية الوحيد وهو حبل نجاتها. عبدالله خليل شبيب - بريد إلكتروني