يقول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إنه يأمل بالتوصل إلى صيغة الدستور الجديد قبل منتصف العام المقبل، وإذا انشغل الأتراك بمناقشة مواده، أهملوا متابعة الملف الكردي على ارض الواقع. وأغرقتهم الدماء المسفوكة في عمليات"حزب العمال الكردستاني"المتزايدة. وتشير معلومات إلى نية إسرائيل نشر طائرات"هيرون"من غير طيار في شمال العراق، وهذا من شأنه أن يؤثر سلباً على الملف الكردي في تركيا. وثمة معلومات صدرت في الإعلام الكردي وفي الصحافة الإيرانية في آب أغسطس الماضي تقول إن إسرائيل اتفقت مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني على نشر أربع طائرات"هيرون"في مطارات الإقليم. ويفترض أن تحلق اثنتان منهما فوق مدينة كركوك، والأخريان فوق مدينة الموصل. ويستفيد الأكراد من الطائرات هذه في مراقبة حدودهم البرية مع جيرانهم العرب. لكن إسرائيل ستستفيد أيضاً من المعلومات التي ستلتقطها الطائرات عن الحدود الإيرانية. وأشارت مجلة"سلاح الجو الشهرية"في عددها الصادر الشهر الماضي الى أن مشروع نشر تلك الطائرات سيزيد نفوذ إسرائيل في شمال العراق، وأنها أرسلت خبراء عسكريين لتدريب الاستخبارات والقوات الكردية. ولم تنف تل أبيب وأربيل هذه الأخبار، لذا يجوز اعتبارها صحيحة. ولا نعرف إذا أبرم الطرفان اتفاق تعاون أمني واستخباراتي، وهذا غير مستبعد. اليوم، بعد أن شنت تركيا حرباً باردة على إسرائيل، لا مفر من أن يخلّف التعاون الاستخباراتي بين إسرائيل وأكراد العراق أثراً سلبياً في تركيا. فعلى سبيل المثل، إذا أرسل"حزب العمال الكردستاني"فريقاً من شمال العراق للقتال في تركيا، واشتبك هؤلاء مع الجيش التركي، ستلجأ طائرات"هيرون"التركية إلى تتبع تحركات العناصر الكردية المسلحة من الجو، ويسع الطائرات الإسرائيلية رصد تحركات الجيش التركي. ولكن إلى أي جهة قد ترسل إسرائيل في هذه الحال المعلومات القيّمة؟ أترك الرد على هذا السؤال لكم أعزائي القراء! نعم، هذا ما أوصلتنا إليه سياسة"تصفير المشكلات"لصاحبها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو. والسياسة هذه مبنية على الأوهام ونقص الخبرة والإفراط في أحلام اليقظة. صارت تركيا رجل الشرق الأوسط المريض مجدداً، وهي أعلنت متعمدة الحرب على إيران وسورية وإسرائيل. والدول هذه تمسك في يدها خيوط أهم قضية حيوية في الأمن في تركيا. وفي سورية تراهن أنقرة على سقوط النظام، وهي استعدت إيران من طريق الدرع الصاروخية، ولا حاجة لتفسير ما حصل مع إسرائيل. التعاون مع هذه الدول حيوي لمحاصرة"حزب العمال الكردستاني"وإحباط عملياته. وإثر معاداة الدول هذه، لم يبق أمام تركيا خيار سوى حل القضية الكردية ونزع هذه الورقة من يد تلك الدول لتفادي استخدامها ضدنا. ان انعدام الخيارات يقوّض موقف الحكومة أمام المطالب الكردية. والظروف هذه أملت إعلان أردوغان أنه إذا اقتضت الحاجة استئناف الاستخبارات التركية محادثاتها السرية مع"حزب العمال الكردستاني"فإنها ستقدم على ذلك. وتركيا بلغت مبلغاً في تقديم التنازلات الى درجة أنها ارتضت بعد أعوام الجلوس إلى طاولة الحوار مع هذا الحزب. إذاً ما كان الهدف من تلك السنوات من القتال وتلك البحور من الدماء؟ * معلّق ومحلل، عن"مللييت"التركية، 3/10/2011، إعداد يوسف الشريف