على رغم خلافها مع المؤسسة الأمنية والعسكرية، أُلحقت قيادة"حزب الشعب"الباكستاني السياسية بالمؤسسة العسكرية واستراتيجيتها المسماة"العمق الاستراتيجي"في أفغانستان. ولم تمارس القيادة هذه حقها في الإشراف على السياسة الخارجية للبلاد. أبرمت أفغانستانوالهند اتفاق شراكة استراتيجية خلال زيارة الرئيس الأفغاني حامد كارزاي دلهي. والاتفاق هذا هو صنو تحقق كابوس المؤسسة الأمنية الباكستانية. والخوف من سعي الهند الى تطويق باكستان، حمل إسلام آباد على اضطهاد القوميين البشتون على طرفي خط ديوراند الفاصل بين باكستانوالهند منذ قيام دولة باكستان، وإنشاء مجموعات إسلامية مسلحة لخوض حرب بالوكالة "المجاهدون"في الثمانينات، وطالبان في التسعينات، وأداء دور حليف أميركا وخصمها في الحرب على الإرهاب منذ 2001. وأبرم الاتفاق في وقت تعاظم التوتر بين الولاياتالمتحدةوباكستان جراء مسألة شبكة"حقاني"و"طالبان"واتهام أفغانستانلباكستان بالضلوع في اغتيال برهان الدين رباني، رئيس مجلس المصالحة الوطنية الأفغانية. وجنت باكستان العزلة الدولية والاقليمية والداخلية من سياسة العمق الاستراتيجي التي انتهجها جنرالاتها. وكان أفقها مظلماً. ووسع إسلام آباد زيادة نفوذها في كابول والتفوق على الهند لو التزمت سياسة التقريب بين الشعبين، ولو أولت الاولوية للتنمية البشرية والتجارة، واحترمت حق أفغانستان في السيادة وانتهاج سياسة خارجية مستقلة... لكن باكستان انتهجت سياسة الحرب بالوكالة، من طريق تسليح الجماعات المسلحة في أفغانستان التي قصمت ظهر البشتون. العنف لم يدمر أفغانستان فحسب، بل دمر باكستان أيضاً، وقوّض استقرار منطقة القبائل ومقاطعة خيبر بختونخوا وبلوشستان على وجه التحديد. ويتخوف عدد كبير من المحللين من أن يحمل الاتفاق باكستان على تصعيد الحرب بالوكالة في أفغانستان، للحؤول دون تدريب الهند القوات الأفغانية. وحري بالقيادة السياسية لباكستان أن تتولى سياستها الخارجية، لكن السياسيين لم يقيدوا يد المؤسسة العسكرية، وصاروا شركاء في العمليات الإرهابية ضد المواطنين الأبرياء في باكستانوأفغانستان. وأجمعت الأحزاب الباكستانية على الحوار مع"طالبان"لمنح السلام فرصة. وهذا الاقتراح يقتضي أن تتغير السياسة الخارجية جذرياً أو أن يغير الجيش الباكستاني رؤيته الى المصالح الوطنية. لكن باكستان لن تبادر الى مكافحة الجماعات الإرهابية على أراضيها للحؤول دون شنها عمليات في أفغانستان. وكما حصل في الماضي، سيبرم اتفاق مع"القاعدة"و"طالبان"تحت مسمى الاتفاق مع القبائل لإعادة تموضعهما "القاعدة"وطالبان في المناطق القبلية وغيرها. ولن تتراجع المؤسسة الأمنية عن سياسة فرّق تسد في أوساط"طالبان"لتمسك بمقاليدها بذريعة"توحيد القوى الجهادية"في الحرب ولتصب أنشطتها في أفغانستان. ويتوقع أن تواصل شبكة حقاني، وهي شاركت في الهجمات ضد المصالح الهندية في أفغانستان، عملياتها. والأرجح أن يتعاظم التوسل بالمناطق القبلية ساحةً استراتيجية، وأن يتفاقم اضطهاد سكان هذه المناطق، وأن تحكم قبضة المسلحين على المنطقة. وفي وسائل الإعلام الباكستانية، لن تنتهي فصول الدعاية المعادية للبشتون التي تخلط بينهم وبين"طالبان"، وستقدم عمليات"طالبان"باكستان على أنها مرآة الغضب البشتوني ضد التدخل الهندي في أفغانستان. * محلل، عن"دايلي تايمز"الباكستانية، 8/10/2011، إعداد جمال اسماعيل