اغتيال (الرئيس الأفغاني السابق برهان الدين) رباني هو الحادثة الأخيرة في سلسلة عمليات استهدفت القادة المناوئين ل «طالبان» وفاقمت التوترَ بين أجنحة تحالف الشمال و «طالبان» والجماعات البشتونية الاخرى، وقد يفضي التوتر هذا إلى حرب جديدة. الحق أن المستفيد من هذه الفوضى هو اللاعب الإقليمي الذي يريد تخريب الأوضاع، أي الجيش الباكستاني. ورغم أن جنرالات هذا الجيش تلقّوا بلايين الدولارات من الولاياتالمتحدة بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) لمحاربة الإرهاب، إلاّ أنهم بذلوا ما في وسعهم لدعم الإرهاب. فهم يتعاملون بانتقائية مع الولاياتالمتحدة في اعتقال قادة «القاعدة» ومحاربة الجماعات الباكستانية المسلحة التي تهدد الجيش الباكستاني، بينما يحافظون على عناصر أخرى متشددة، مثل «طالبان أفغانستان» وجماعة حقاني المسؤولتين عن العنف في أفغانستان، ويساندونها. ولم تعد أميركا تتبع سياسة صرف النظر عن هذه الانتقائية إثر استهداف سفارتها في كابول. وإذا ثبت اتهام (رئيس الأركان الأميركي مايكل) مولن لباكستان بالمسؤولية عن بعض عمليات «طالبان»، ثبت أيضاً أن الاستخبارات الباكستانية مدّت عملياتها الخفية ضد الهند في أفغانستان لتطاول الولاياتالمتحدة، بهدف القول لواشنطن أن لا حدود لإمكانات حلفاء باكستان في الحرب الأفغانية، وحملها على وقف دعم تعاظم النفوذ الهندي بأفغانستان. ويرى الجيش الباكستاني أن الهند استخدمت الجيش الأميركي غطاءً لزيادة عملياتها الاستخباراتية على الحدود الغربيةلباكستان، ومكَّن ذلك نيودلهي من دعم تمرد مسلح في إقليم بلوشستان الغني بالموارد الطبيعية. الجنرالات الباكستانيون متخوفون من إرسال الهند قوات شرطة من فرقة جبال التيبت العالية التدريب لحماية الأفراد والمشاريع التي تقوم بها (الهند) لتنمية البنى التحتية في أفغانستان وتطويرها. وأحد هذه المشاريع طريق إستراتيجي يربط أفغانستان بميناء تشابهار الإيراني، ويقلل اعتماد أفغانستان غير المطلة على البحر، على خطوط الإمداد الباكستانية. هجوم الاستخبارات الباكستانية يُظهر مدى قدرتها على استخدام المسلحين لإفشال أي عملية سلام تستثني إسلام آباد. ولا شك في حق باكستان بالمشاركة في إرساء السلام في أفغانستان، وحقها في أن تكون، مع الدول الأخرى في المنطقة، جزءاً من المصالحة الأفغانية. الجيش الباكستاني يريد استقراراً نسبياً في أفغانستان يتولاه الإسلاميون البشتون، وأن يصدع هؤلاء بدور باكستان، شأن نظرائهم البشتون العلمانيين في باكستان، الذين يرتضون إدارتها الأقاليم البشتونية التابعة لها أو الواقعة تحت النفوذ الهندي. لكن الجيش الباكستاني، في سعيه إلى تأمين عمق إستراتيجي، دمّر باكستان نفسها، وأطاح تصديرُه المتطرفين الصدقيةَ الخارجية للبلد، وقوَّض أمنَه الداخلي، وأضعف اقتصاده. وبالنسبة للجنرالات الباكستانيين، المتخمين وعديمي المسؤولية، فإن فوائد احتضان الجماعات المسلحة المتطرفة تبدو أكثر من مضاره، واسترضت واشنطن الجيش الباكستاني حين وجب عليها محاسبته. إن رسوخ المؤسسات الديموقراطية في باكستان يضعف هامش المناورة أمام جيشها واستخباراتها. لذا فالولاياتالمتحدة مدعوّة إلى زيادة الدعم الاقتصادي لباكستان وإتاحة فرص تجارية أمامها، لمساعدتها في بناء المؤسسات المدنية وإشراك هذه المؤسسات في القرار. ويثير الأسف تصديق مجلس الشيوخ الأميركي على رهن الدعم لباكستان، بما في ذلك المساعدة المدنية الاقتصادية، بتعاون الجيش الباكستاني في الحرب على الجماعات المسلحة، حيث كان حريّاً بواشنطن التمييز بين الدعم الاقتصادي والمدني والدعم العسكري، وإقناع العسكر الباكستانيين بأنها لا تسعى في نزع سلاحهم النووي. * خبير في الشؤون الباكستانية وباحث في جمعية هارفارد، «فورين أفيرز» الأميركية، 23/9/2011، إعداد جمال اسماعيل