منذ قيام دولة الاغتصاب الصهيوني على أرض فلسطين السليبة عام 1948، كان أول اهتمامات هذا الكيان المغتصب إنشاء جهاز استخبارات ومؤامرات كبير، يكون اليد الطولى لهذا الكيان في اختراق الدول المحيطة به والدول البعيدة منه، ضماناً لاستمرار وجوده غير الشرعي من خلال عمليات التجسس والاغتيال والتآمر التي شرع في تنفيذها منذ أول يوم بدأ فيه عمله. بل يمتد وجود هذا الجهاز الإرهابي الإجرامي، إلى المرحلة التي سبقت إنشاء الكيان الصهيوني، حيث كان يمارس أعماله الإجرامية في حق الشعب الفلسطيني، وإن كان تحت مسمى آخر. والمتتبع لمسيرة الموساد خلال النصف الثاني من القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن، سيجد سجلاً مملوءاً بالأعمال الإرهابية الإجرامية التي نفذها عملاء هذا الجهاز في مناطق عديدة من العالم، تمثلت في الاغتيالات والتفجيرات والقتل المباشر، ودس المخربين والخونة للقيام بأعمال إجرامية وإرهابية. وما جرى في دبي العام الماضي هو واحد من هذه الأعمال، حيث تم اغتيال المناضل الفلسطيني محمود المبحوح في غرفته في الفندق الذي كان يقيم فيه، بطريقة همجية استخدم فيها الموساد جوازات سفر أوروبية وأسترالية وكندية مزورة، منتهكاً سيادة دولة مستقلة وسمعة دول صديقة. ولا يمكن أن نغفل يد الموساد في التحريض على الفتنة في العديد من دول العالم الإسلامي، والدور المريب الذي قام به في تشجيع انفصال جنوب السودان، وضرب الوحدة الوطنية والمذهبية في العراق، وإيران، ونيجيريا، واغتيال قادة سياسيين وعلماء ذرة متميزين. والتفجير الإرهابي المشبوه الذي استهدف كنيسة القديسين في الإسكندرية فجر يوم الأول من السنة الميلادية الجديدة، يوحي بأن أصابع الموساد كانت وراء هذا الحادث الإجرامي الشنيع، الذي يهدف إلى ضرب وحدة الشعب المصري في الصميم بإشعال نار الفتنة الطائفية وإضرام الصراع بين المسلمين والمسيحيين الأقباط الذين يجمعهم وطن واحد. فهو يأتي بعد كشف شبكة التجسس الإسرائيلية في مصر التي كانت تخطط لإثارة الفوضى والاضطراب في أكبر بلد عربي، وبعد إدلاء أحد عناصرها من جنسية مصرية، باعترافات خطيرة حول تورط الموساد الإسرائيلي في أعمال تخريبية في عدد من الدول العربية. لقد أدلى عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية أمان، بتصريحات له نشرتها صحف عدة من بينها صحيفة"هاآرتس"في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، قال فيها:"إن مصر هي الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية والموساد، وإن العمل في مصر تطور وفق الخطة المرسومة له منذ 1979". وقال أيضاً:"لقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً ومنقسمة إلى أكثر من شطر، في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البيئة والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك عن معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر". وقال أيضاً:"لقد أنجزنا خلال السنوات الأربع ونصف السنة الماضية، كل المهمات التي أوكلت إلينا، واستكملنا العديد من التي بدأ بها من سبقونا. أنجزنا عملاً عظيماً للغاية في السودان، نظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية في جنوبه ودربنا العديد منها، وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجستية لمساعدتهم، ونشرنا هناك في الجنوب ودارفور شبكات رائعة وقادرة على الاستمرار في العمل إلى ما لا نهاية، ونشرف حالياً على تنظيم الحركة الشعبية هناك وشكلنا لها جهازاً أمنياً استخبارياً". واعترف يادلين في تصريحاته بأن إسرائيل كانت وراء اغتيال شخصيات قيادية فلسطينية وعربية من بينها عماد مغنية الذي اغتاله عملاء الموساد في دمشق عام 2008، وعلماء ذرة من بينهم علماء إيرانيون وقع اغتيالهم أواخر العام الماضي. كما كانت وراء تدمير العديد من المنشآت العلمية، وآخرها المنشأة العلمية السورية في تدمر، التي وصفها بأنها كانت مفاعلاً نووياً أقامته سورية بتعاون مع كوريا الشمالية. كما اعترف يادلين بأن إسرائيل تقدمت كثيراً في نشر شبكات التجسس في كل من ليبيا وتونس والمغرب التي أصبح كل شيء في متناولها، وهي قادرة على التأثير السلبي أو الإيجابي في مجمل أمور هذه البلاد. هذا هو كلام عاموس يادلين المسؤول الإسرائيلي السابق، الذي ينضح كراهية وحقداً وتآمراً، ويكشف حقيقة الدور التخريبي الذي تقوم به إسرائيل في العالم الإسلامي بعامة، وفي السودان وجمهورية مصر العربية بخاصة. وهو كلام لا يستغرب من مجرم إرهابي ينتمي إلى كيان إجرامي إرهابي يعيش على الاغتيال والتآمر والكراهية والعنصرية ويمارسها ليل نهار. إن أمن العالم الإسلامي في خطر"لأن أعداء السلام من الصهاينة والمتطرفين يتحالفون على تمزيقه وإشعال الحرائق الدينية والطائفية والعرقية في ساحاته، في إطار مخطط عدواني رهيب عنوانه"الفوضى الخلاقة"، التي قلنا، مراراً وتكراراً، إنها فوضى هدامة لا بد من الوقوف في وجهها بوحدة المواقف، وتكاتف القوى وحشدها، لحماية أمن الأمة وسيادتها وسلامة أراضيها وكرامتها. لقد آن الأوان لوضع حدّ لهذا التشرذم الذي ينهك جسد الأمة ويُغري بها أعداءها، ويفتح المجال أمام المتربصين بها لزرع الفتن ونشر الفوضى، تمهيداً لتحقيق الأهداف المشبوهة والمخططات الاستعمارية الجديدة التي رسمها غلاة المتطرفين في مراكز الدراسات الغربية، وفي طليعتها المراكز الأميركية التي يشرف عليها ويعمل فيها العديد من الصهاينة والمحافظين الجدد الذين نذروا أنفسهم للإضرار بالعالم الإسلامي وإضعافه، وضرب وحدة دوله، وتشويه حضارته وقيمه الدينية. والموساد واحدة من وسائلهم الفعالة لتحقيق ذلك. إن قوة دول العالم الإسلامي في تضامنها وتعاونها واحترام بعضها بعضاً. أما ما يجري اليوم من خلافات سياسية، وتكتلات إقليمية، وتراشق إعلامي، فمقدمات لمستقبل أكثر غموضاً وأسوأ منقلباً. * المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة - إيسيسكو