مفاجأة موسم حفلات موسيقى"البرومز"لهذه السنة كانت الحفلة التي خصصت للموسيقى العراقية كأول بادرة من نوعها في تاريخ هذا الموسم الموسيقي اللندني ذي البعد العالمي، أرادته هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية باكورة مشروعها المعروف باسم"أكاديمية طرق العالم". المشروع يحتفي بموسيقى الشعوب التي قد تتعرض للإهمال، أو الخطر، بسبب الظروف المحيطة من حروب ومآس أخرى. الموسيقى العراقية كانت أول المستفيدين من هذا البرنامج، من خلال عازف العود الشاب خيام اللامي الذي حصل على منحة تفرّغ مع الفنان الشهير إلهام مدفعي، كمشروع رعاية موسيقية بين أستاذ وتلميذ تربط بينهما جذور مشتركة ومنفى متعدد الأماكن. امتلأت القاعة كما هو متوقع بجمهور غالبيته عربي عراقي متعطش لأغاني يعرفها ولها صدى في وجدانه وذاكرته، صفق كثيراً وشارك إلهام المدفعي، الغناء في أغاني مثل،"فوق النخل"و"في السوق"و"خطار". تعالى الصفير عندما غنى"بغداد"قصيدة نزار قباني الشهيرة، علماً أن الأغنيتين الأخيرتين من تلحينه. كما استجاب الجمهور للإيقاعات على الطبلة العراقية الشهيرة التي ترك لها المدفعي مساحة لتقدم نفسها في شكل واضح في بعض الأغنيات. تلميذه الذي رعاه تدريباً وإرشاداً، خيام اللامي، شاركه العزف على العود في بعض أغانيه، كما شاركه مجموعة أخرى من العازفين العراقيين بينهم عازف العود عمر بشير. إلهام المدفعي، أو"الأستاذ"، كما أصرت على تقديمه لوسي دوران من ردايو"بي بي سي3"يتحرك شرقاً وغرباً تسبقه شهرته العالمية التي حصل عليها باشتغاله على تطوير التراث العراقي وتوصيله الى جمهور أوسع من الدائرة المحلية، من خلال توزيع المقامات العراقية على آلات غربية، كان أشهرها الغيتار الذي ارتبط به شخصياً. البعض يأخذ عليه ذلك، وأهله ومعارفه اعتبروه مخرّباً للفن العراقي أواخر الستينات، ولم يكن ليخطر على بالهم أن تخفيف التراث من شجنه الحاد المعروف، وتسريع الإيقاع، وتطعيمه بآلات أخرى غير شرقية، سيروّج في العالم لهذا التراث من الغناء والموسيقى، إضافة الى توصيله الى الجيل الجديد من العراقيين والعرب. إلا أن جانباً من الجمهور ارتبك أمام عزف العود الذي قدمه خيّام اللامي، فتدخل بالتصفيق ليماشي العزف، على رغم أن الفقرة كانت بحاجة الى الإنصات وتأمل العزف بحد ذاته وكان تنويعاً على مقامات مثل:"الخنابات"و"العراقي"و"السيغا"الشرق أوسطي، و"دشت"العراقي الكردي الإيراني، كذلك اشتغل خيّام على مزج أنغام عثمانية عربية، وكانت النتيجة مقاربة جديدة للعزف على العود تبشر بدخول خيّام دائرة المطورين للعزف على هذه الآلة، بتقديمه رؤية موسيقية جديدة معاصرة لها. خيام اللامي كان مفاجأة الحفلة التي لم تكشف فقط عن نتاج مرحلة قضاها مع أستاذه إلهام المدفعي في الأردن، بل عن مجمل الخبرات التي حققها بفضل مثابرته وتجواله في المنطقة، فقد زار مصر وأقام فترة في بيت العود الذي يشرف عليه الفنان نصير شمّا، كما زار تركيا واطلع على التراث الموسيقي المختص بالعود المرتبط في شكل أو آخر بتراث المنطقة. تلقى خيّام 29 سنة الاهتمام من عائلته منذ صغره، لعب على الكمان والغيتار، الى أن قرر اختيار آلة ترتبط بتراثه الموسيقي الأصلي الذي تعرف اليه وهو في الشتات، فهو ولد في دمشق لعائلة نزحت عن العراق لأسباب سياسية والده الروائي والإعلامي عبدالله صخي، وانتقل مع العائلة الى لندن في سن التاسعة. وتعدّه الجهات المهتمة في بريطانيا، شاباً"لندنياً"عرف كيف يصوغ هويته الخاصة وسط التنوع الكبير داخل هذه المدينة الكوزمبوليتانية. بات هذا العازف الموهوب معروفاً الآن في الأوساط الموسيقية البريطانية، يُدعى الى مهرجانات موسيقية متميزة للعزف على آلة شرقية لم يعتد كثيرون الاستماع إليها، مثل"مهرجان ووماد"الشهير المختص بفنون الموسيقى والرقص. ولدى سؤاله عن أي من التجربتين أثرت أكثر في صقل مهاراته الموسيقية، رحلة عمّان أم رحلة القاهرة؟ يجيب:"بل هي في الأساس رعاية"راديو بي بي سي"الذي انتقاني من بين مجموعة أسماء أخرى مرشحة، وأعطاني الفرصة لتمتين موهبتي، لولا ذلك لكنت مجرد شاب تائه في مدينة كبيرة، لا أعرف كيف استفيد من موهبتي". حصل خيّام أيضاً على منحة ماجستير في كلية الدراسات الشرقية في جامعة لندن، ودراسته تنصب على تطوير العزف نفسه، وبحث عن تطور مدرسة العود العراقية تاريخياً. وهو سيقدم محاضرة داخل"الجمعية البريطانية لدراسة العراق"بهذه المناسبة منتصف الشهر المقبل الذي يشهد أيضاً انتهائه من الرسالة. وتمتد حفلات"بي بي سي برومز"المعروفة اختصاراً بال"برومز"على مدى ثمانية أسابيع من منتصف تموز يوليو كل صيف، ويعاد بث الحفلات عادة من خلال محطات الإذاعة والتلفزيون الخاصين بال"بي بي سي". تقام الأمسيات الموسيقية في"رويال ألبرت هول"، أعرق قاعات الحفلات الموسيقية الكلاسيكية في مدينة لندن. وهذه المناسبة الموسيقية ينتظرها عشاق الموسيقى من أوروبا وغيرها، من الراغبين في الاستماع الى الموسيقى الكلاسيكية والفرق السيمفونية التي تقودها أسماء لامعة عالمياً، لكن البرنامج يضم تنويعاً من الموسيقى العالمية الأخرى، وكانت الموسيقى العراقية ضيف هذا العام.