أحيا عازف العود العراقي خيام اللامي حفلة في مسرح بيروت مساء أمس، تأتي ضمن جولة ترويجية عالمية لألبومه الأول «رنين أقل» (إنتاج شركتي إيقاع ونوى)، تشمل نيقوسيا وبيروت وعمّان والقاهرة، وتختتم في لندن، حيث يستضيفه «مهرجان شبّاك للفنون العربية المعاصرة» في السادس عشر من تموز (يوليو) الجاري. وطُرب الجمهور البيروتي بنغمات اللامي الفريدة، خصوصاً أنه عزف من دون مكبرات صوت، ما أضفى على الحفلة نوعاً من الحميمية في هذا المسرح الصغير الذي اعتاد استقبال شتى أنواع التجارب الفنية المبتكرة. سيرة اللامي الفنية تسبقه أينما حلّ، لتَمَيُّزه وفرادته في العزف على آلة العود، التي بدأ بالاهتمام بها عام 2004، حيث برز اسمه وجاور كبار العازفين العراقيين وقدم حفلات لافتة. ففي كل مكان عزف فيه، مثل مهرجان «سوبر سونيك» للموسيقى البديلة التجريبية في مدينة بيرمنغهام البريطانية، أو مهرجان «بي بي سي برومز للموسيقى الكلاسيكية» في قاعة ألبرت هول الملكية الشهيرة في لندن، أكد اللامي موهبته وقدم صورة لجمال موسيقاه الصافية. ولد خيام اللامي في العاصمة السورية دمشق عام 1981 لأبوين عراقيين. بدأ بتعلم العزف على الكمان في الثامنة من عمره عندما أدى دور طفل يعزف على هذه الآلة في فيلم سينمائي باسم «الطحالب» من إخراج ريمون بطرس. وعندما انتقلت أسرته إلى لندن عام 1990، ترك آلة الكمان ليعزف على الغيتار والدرامز. بعد ذلك ساهم في تأسيس فرق مستقلة لموسيقى الروك مثل «Ursa» و«Art of Burning Water». رويداً رويداً، بدأ اللامي يحرز سمعة طيبة باعتباره واحداً من أكثر عازفي الدرامز تأثيراً في لندن. ومع ذلك، كان ثمة شيء ما مفقود بالنسبة اليه، الى أن قرّر عام 2004 تعلم العزف على العود والتعمّق في نظريات الموسيقى العربية والمقامات العراقية على يد الموسيقي المعروف إحسان الإمام. وفي السنوات اللاحقة كرس اللامي جهده من دون كلل للموسيقى، وسافر عبر بلدان الشرق الأوسط لتلقي التعاليم الموسيقية من أساتذة العود، مثل نصير شمة وحازم شاهين في القاهرة، ومحمد بيتمز في اسطنبول. وفي هذه الأثناء حصل اللامي الشاب النشيط والشغوف بالمعرفة، على منح وجوائز مختلفة، وأكمل دراسته الأكاديمية في الموسيقى. وعام 2010 توّج جهده وتمرينه المتواصل باعتراف وطني في بريطانيا، عندما أصبح أول شخص يمنح الزمالة الرفيعة بعنوان «وورلد رووتس أكاديمي» برعاية راديو «بي بي سي 3». وتعاون مع الفنان العراقي المعروف إلهام المدفعي وموسيقيين عرب آخرين خلال جولة استغرقت 3 أسابيع قادته إلى بيروتودمشق وعمان. ويسود اعتقاد بأن غالبية الناس يميلون إلى رؤية مسيرة خيام اللامي باعتبارها عودة إلى الجذور، بحثاً عن الهوية. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، اذ قال لمجلة «Brownbook» الإماراتية: «من السهل جداً القول إني ابحث عن جذوري وأحاول أن أعيد اكتشاف نفسي، لكن الحقيقة أنها عملية إعادة توازن: ماذا يكوّنك كشخصية؟». بالنسبة الى خيام اللامي، الفن هو «الصدق والإخلاص، فإذا لم تستطع أن تكون صادقاً ومخلصاً مع نفسك كيف تستطيع أن تكون كذلك في فنك؟». وعلى رغم الإحساس بأنه يقدم «الموسيقى المحلية المعتادة»، هناك شيء مختلف بالنسبة لأي أذن موسيقية في عزفه على العود: يمزج اللحن والإيقاع لخلق أشكال وبناءات تقليدية. ويمكن القول إن «رنين أقل» الذي تنتجه شركة «إيقاع» في العالم العربي، والملتزمة «إنتاج الموسيقى البديلة ذات القيمة الفنية المبدعة»، هو ألبوم طموح، فموسيقياً، يعتمد على مفهوم المقام بأسلوب غير تقليدي مع «ارتجالات مؤلفة» مبتكرة وعالية بقيمة بنائها وتفاصيلها. كما يتضمن نغمات متكررة وأشكال لحنية تعبر عن سرد متّحد مشدَّد بديناميكية حساسة وإيقاعات مبنية على ادوار موسيقية غير اعتيادية. كل ذلك مجدول في مؤلفات كاملة ومقطوعة مبنية على مقام النوى العراقي القديم. مفهوم «رنين أقل» راشح من حياة لندنية، متأثر بأعمال شخصيات مختلفة مثل كارل غوستاف يونغ، خورخه لويس بورخس، فرانك زابا، وأساتذة الموسيقى الشرق أوسطية، مثل حسين علي زاده، رياض السنباطي ونصير شمة.