داخل"قاعة منصور الرحباني"في دير مار الياس انطلياس، شرق بيروت، تمركز عدد من الشبان على مقاعدهم بانتظار بدء ندوة حول المخدرات نظمتها جمعية"سيدروس للإنماء". الحضور الشبابي قابله الحضور التقليدي لأصحاب الاختصاص المعنيين بالفلفشة في أوراق هذا الملف الساخن بحثاً عن مخارج مضيئة لهذا النفق المظلم. تنوّعت المقاربات وتمايزت اللهجات وأديرت بذكاء لعبة تقاذف المسؤوليات. ما قيل لم يخرج عن إطار"المكرّر"، لكن خلاصة الندوة وضعت الإصبع على الجرح... على رغم هول الكارثة التي تجتاح الشباب اللبناني لا إحصاءات رسمية عن عدد المدمنين في لبنان وتوزعهم المناطقي والفئات العمرية المستهدفة. يقرّ رئيس جمعية"سيدروس"وليد أبو سليمان بأن الندوة"قد تشكّل مجرد رقم في سجل الندوات الطويل حول المخدرات، لكن الجمعية التي تعنى بالشأن الاجتماعي والشبابي والثقافي والتنموي رأت ان من واجبها المساهمة في الإضاءة على الجوانب المظلمة لآفة المخدرات". ومجرد الإقرار، يضيف سليمان، بعدم وجود إحصاءات رسمية،"يبرز الحقيقة المرّة، وهي ان هذه الآفة تخطت الخط الأحمر، وذلك بحد ذاته إقرار بالفشل في اجتراح الحلول الملائمة". في ندوات من هذا النوع تحضر إذاً لغة الأرقام بتواضع. جمعية"جاد"شبيبة ضد المخدرات تضع كالعادة أوراقها على الطاولة علّ جرس الإنذار يوقظ الهمّة الرسمية الغارقة في سبات عميق: قوانين شبه غائبة أو منقوصة، المدارس والجامعات مراكز استقطاب للإتجار بالمخدرات، عدم توافر سرير علاجي واحد لمعالجة المدمنين أو حتى حبة دواء واحدة مجانية، كلفة الفاتورة الصحية بلغت 3 بلايين دولار ومع ذلك تفاقم عدد المدمنين ومراكز العلاج المتخصصة ما زالت على الورق، فوضى في"تفريخ"الجمعيات التي بلغ عددها 884 جمعية منها الجمعيات الوهمية ومنها من أخذ المدمن هيئة من أجل جني التبرعات تحت ستار العلاج والتأهيل وزارة الشؤون الاجتماعية تصرف على تلك الجمعيات 72 بليون ليرة في العام الواحد، وفاة 800 شخص العام الماضي بسبب المخدرات، 1600 موقوف، المخدرات تتلمس طريقها بسرعة الى الإناث، وينتمي 51 في المئة من المدمنين الى الفئات العمرية بين 14 و19 سنة، و79 في المئة من المدمنين هم بين 14 و24 سنة... ووفق الدراسة الشاملة التي انجزتها"جمعية إدراك"عام 2000 يتبين ان 11 في المئة من تلاميذ المدارس في آخر صفين جرّبوا المخدرات مرة واحدة، و22 في المئة في الجامعات. وأيضاً تبقى للأرقام المكتشفة هنا وهناك دلالاتها الكارثية: 30 في المئة من حوادث السير تحصل بسبب المخدرات، نسبة الشفاء في الولاياتالمتحدة لا تصل الى 25 في المئة وهذا يبرز صعوبة حصول عملية الشفاء في لبنان الذي يفتقر الى خريطة لآفة المخدرات على مستوى عدد المدمنين ووسائل المواجهة. النرجيلة آفة تجتاح الشباب 40 في المئة بين 12 و15 سنة يدخنون النرجيلة وقد تشكل مدخلاً لإدمان أكبر... يذكر انه في العام 2004 طرح قانون في البرلمان اللبناني يمنع بيع التبغ والنرجيلة للمراهقين ويمنع التدخين في الأماكن العامة لكنه لم يقرّ حتى اليوم. الندوة أضاءت أيضاً على مسألة قد تكون الأكثر حساسية في ملف"الموت الأبيض". فمعالجة الإدمان من دون تغيير نظرة المجتمع الى المدمن تبقى فعلاً ناقصاً. هذا الواقع يفتح الباب على تقدّم حسي وملموس بدأ يطبع اداء الأهالي في تعاطيهم مع مسألة إدمان أولادهم. يقول رئيس جمعية"جاد"جوزف الحواط:"المدمن مسيّر ومسلوب الإرادة، وقد أدى التنسيق منذ نحو عام بين مكتب مكافحة المخدرات والأهالي الذين يعمدون الى تقديم شكوى يطلبون من خلالها الضغط على أولادهم لتلقي العلاج الى نتائج ايجابية، وهذا يبشّر بالخير". وأمام شهادات تليت خلال الندوة تبرز تعاطي قوى الأمن مع المدمن كمجرم أو سارق، يشدد العقيد عادل مشموشي رئيس مكتب مكافحة المخدرات في قوى الأمن الداخلي"على دور الضابطة العدلية وأجهزة مكافحة الجرائم"، معتبراً"ان مهمتها الاساسية"تكمن في تنفيذ أحكام القانون والتمييز بين مكافحة الضالعين بالانتاج والاتجار والتعاطي مع المدمن كمخالف للقانون ووجوب تحذيره، اذ نحاول تطبيق سياسة العصا والجزرة"، موضحاً انه"إذا رفض المدمن العلاج في مركز متخصص عندها الواجب يفرض علينا عدم التقصير في حمايته وحماية المجتمع". وفي معرض الإدانة الذاتية للجسم المؤسساتي الذي ينتمي اليه، يتحدث رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاطف مجدلاني، أحد المحاضرين في الندوة، عن"ان القانون الموجود عصري لكنه غير كاف. ونحن نطالب بتحسين السجون اللبنانية التي تعيش واقعاً مزرياً من غير المقبول استمراره". ان تطبيق القانون، برأي مجدلاني،"يساعد المدمن على اتخاذه القرار بالتوقف عن التعاطي، ويجب ان يترافق ذلك، مع احاطة من الاهل والمجتمع على ان يتم التأهيل في مراكز رعاية متخصصة".