داخل قاعة فسيحة في أحد فنادق العاصمة اللبنانية بيروت، التقى قبل أيام عدد من رجال الدين والناشطين في المجتمع المدني، وعلى طاولتهم عنوان «فلنتحد لتخطي الوصمة: دعوة لثقافة التقبّل والتفهّم». ورشة العمل نظمتها «سكون»، الجمعية اللبنانية للعلاج والوقاية من الإدمان، في إطار مشروعها المموّل من برنامج الأممالمتحدة الإنمائي (مشروع بناء السلام). «سكون» هي واحدة من الجمعيات غير الحكومية في لبنان التي تسعى للتصدي لآفة الإدمان في لبنان من خلال مساعدة المدمنين على استعادة حياتهم الطبيعية. في ورشة العمل سلّطت الأضواء على دور الوصمة في تهميش المدمنين وتردّدهم في التقدم للعلاج والاستفادة من الخدمات الصحية على قاعدة «كلما قلّ طلب العلاج قلّ عرضه وزاد الجهل حول المشكلة ومتطلبات معالجتها». الدعوة للاتحاد من أجل تخطي الوصمة جاءت كتتمة لخطوات «سكون» الأولى نحو تعزيز حقوق المدمن في تطبيق قانون المخدرات من خلال مشروعها «حقوق المدمنين: نحو انفتاح أكبر» الذي استمر سنتين (2007- 2009) ولاقى قبولاً من قبل القضاة حول ضرورة اللجوء الى العلاج كبديل من الملاحقة. لكن واقع التعاطي من قبل أجهزة الدولة مع المدمنين، الذي كشف جانباً بشعاً منه شريط مصور عرضه مسؤولون في «سكون» خلال ورشة العمل، أعاد النقاش عملياً الى النقطة الأكثر إيلاماً... من يساعد المدمن على سلوك «الطريق الآمن» للعلاج؟ في الشريط الذي أورد شهادات موجعة لعدد من المدمنين سُمِعت عبارات من نوع «اليوميات في مخفر حبيش تشجعك على التعاطي أكثر»، «وُضعت في زنزانة واحدة مع تاجر المخدرات والمجرمين»، «الشرطيون لا يفهمون ان المدمن له حق بالعلاج»، «العلاج المجاني غير معترف به»، «الدرك يأخذون منا معلومات للتحقيق ولا يصرفون وقتاً لمساعدتنا على ايجاد وسيلة للعلاج»، «المتعاطي يخرج من السجن تاجراً». تفاخر «سكون»، التي تأسست عام 2003، بأنها تمكّنت من تقديم نماذج مشجعة في مجال علاج المدمنين، في وقت يضيّع فيه العديد ممن وقعوا فيه البوصلة، فيعيدهم العلاج غير المنتظم... الى نقطة الصفر. وسام (28 سنة) أنهى علاجه منذ ثلاث سنوات ويستعد للتحضير لمراسم زفافه. مازن (42 سنة) دخل تسع مرات الى السجن، بدأ العلاج قبل ثمانية أشهر وهو الآن مساعد اجتماعي في مجال التوعية من الأمراض المنقولة جنسياً... نماذج مضيئة وكافية لتضع الإصبع على الجرح، فما توفّر لهؤلاء في مركز مختص بمعالجة المدمنين قد لا يتوافر في أمكنة أخرى، فيكون العلاج بالنسبة إلى بعض المدمنين مرحلة انتقالية نحو... إدمان «متقدم». وتكاد تعدّ على أصابع اليد الواحدة الجمعيات التي تعنى بمواكبة حالات الإدمان المتقدمة ومعالجتها في لبنان. ترتكز «سكون» ولديها أول عيادة متخصصة في معالجة الإدمان في لبنان، إلى مقاربة صحية واقعية وإنسانية للمشكلة، وتؤمّن علاجاً نفسياً للمدمنين وعائلاتهم. يتألف فريق العمل من أطباء نفسيين، واختصاصيين في الطب العائلي، واختصاصي علم نفس يعملون كخلية واحدة ويؤمنون الخدمات وفقاً لحاجة كل مريض. تكاليف علاج المرضى تغطي 15 في المئة فقط من مصاريف المركز، لذلك تعوّل الجمعية على التبرعات. وتقول منسقة مشروع «فلنتحد لأجل تخطي الوصمة» شانتال شديد ان «المركز يقدّم خدمات علاجية وطبية ونفسية للمدمنين على المخدرات والكحول والنيكوتين، إضافة الى برامج توعية ووقاية خصوصاً لفئة الشباب»، وتشدّد على «الجانب التخصصي المتوافر لدى فريق العمل ما يؤدي الى تقدم لافت في مراحل العلاج، خصوصاً ان التجارب أثبتت ان لدى المدمنين مرضاً في الدماغ يسبّب لهم ضعفاً في السيطرة على تعاطي المخدرات، من هنا تأتي حاجة المدمنين الى العلاج من أمراض الدماغ». وتؤمِن «سكون» بالعلاج البديل ضمن إطار برنامج العلاج الشامل، وهو عبارة عن دواء اسمه Methadone أصبح مرخصاً رسمياً من قبل وزارة الصحة منذ بضعة أشهر، بعدما حورب على مدى سنوات طويلة. يوصف هذا الدواء للأشخاص الذين يتعاطون كل أنواع الأفيونات، وهو برأي العديد من الخبراء، يفتح باباً واسعاً للعلاج الآمن لكونه يجنّب المريض عوارض الإدمان المؤلمة، ويسمح له «بتفعيل» قدراته الذهنية ما يساعد كثيراً في جلسات الدعم النفسي. مع ذلك هناك فئة أخرى تعارض استخدام هذا الدواء باعتباره يؤدي، برأيها، الى «إدمان أكبر». وخلافاً للاعتقاد السائد بعدم فعالية علاج المدمنين بالأدوية تقول شديد: «يعالج المدمنون طبياً في المستشفيات (Detoxification) والعلاجات الدوائية الحالية تساعد المرضى الذين سبق لهم ان امتنعوا عن تعاطي المخدرات، على كبح زيادة شغف الإدمان عندهم والتقليل من الانتكاسات وتعزيز فعالية العلاجات السلوكية، والدراسات الجديدة في مسح الدماغ تظهر ان العلاج السلوكي النفسي والطبي (الأدوية) يعمل بالمثل في تغيير وظيفة الدماغ، ما يؤكد ان الإدمان هو مرض في الدماغ تمكن معالجته من خلال التأثير في وظيفة الدماغ وليس فقط التركيز على المشكلة السلوكية». وعلى رغم تعديل قانون المخدرات، الذي كان المدمنون بموجبه يزجّون في السجون كالمجرمين، وصدور قانون جديد عام 1998 تحت الرقم 673 وبدء تطبيقه عام 2001 ويسمح بوقف تنفيذ الأحكام في حق كل مدمن يتابع إعادة تأهيله، لا يزال القانون جائراً لكونه لا يمنح وقف التنفيذ سوى مرة واحدة، وقد يستند في توقيف الأشخاص الى مجرد وشايات. أما العلاج في حد ذاته فيبقى أسير مبادرات فردية وجماعية، في إطار إنساني، لا تبدو الدولة معنية به لا من قريب ولا من بعيد سوى لناحية تغطية وزارة الصحة للنفقات الاستشفائية لمئات الحالات في المراكز المتخصصة وبعض المستشفيات الخاصة. وأجاز قانون المخدرات في المادة 183 منه لكل مدمن قبل إجراء أي ملاحقة بحقه ان يتقدم تلقائياً امام لجنة مكافحة الإدمان على المخدرات بطلب إخضاعه لتدابير العلاج الجسماني والنفساني من «مرض التعاطي» في المصحات المتخصصة، لكن إحدى الدراسات التي نفذها تجمع «أم النور» تؤكد ان المدمن لا يتقدم الى طلب العلاج من تلقاء نفسه إلا في ما ندر، في إشارة الى مدى نقص الوعي لدى المدمنين حول حقوقهم التي أجازها لهم القانون. مع العلم ان المادة 191 من القانون تعطي الحق للوالدين أو الوصي بالطلب من لجنة مكافحة الإدمان إيداع الشخص المعني في مصح للعلاج، كما يعود للمدمن أثناء التحقيق والمحاكمة ان يطلب إخضاعه للعلاج. لكن الواقع على الأرض أثبت ان عدم وجود أمكنة شاغرة أحياناً كثيرة في المؤسسات والمستشفيات يقف حائلاً امام إخضاع المدمن للعلاج أثناء التحقيق والمحاكمة. ويقول عمر نشابة المحاضر في الجامعة اللبنانية الأميركية والكاتب المتخصص في العدالة الجنائية: «قليلة هي مراكز العلاج والتأهيل الخاصة بالذين يعانون من إدمان المخدرات والكحول في لبنان، أما تلك الحكومية والمجانية فهي شبه منعدمة». ويشير نشابة وهو المستشار السابق لوزير الداخلية زياد بارود، الى «إرسال الأخير كتاباً الى رئيس مجلس الوزراء السابق فؤاد السنيورة عام 2008 يقترح فيه بناءً على توصية من قوى الأمن الداخلي إنشاء مركز لمعالجة المدمنين وتأهيلهم. وتم تأليف لجنة وطنية لدراسة المشروع وضعت لاحقاً دراسة شاملة عن المركز وهيكليته، وحتى اليوم لا تزال الدراسة في الأدراج». وينطلق نشابة من هذا الواقع ليشير الى «طغيان المنحى العقابي الصارم ومبدأ ردع المخالفين للنظام والقانون على التوجه السائد للسلطة الحالية، ويبدو ذلك جلياً في تعاطيها مع الموقوفين أثناء التحقيق وبعد صدور الأحكام بحقهم، إذ ترد العديد من حالات التعذيب والإهانة والتعامل اللانساني في تقارير مؤسسات حقوق دولية عن لبنان». ويشير شارل يعقوب الطبيب المتخصص في العلاج من الإدمان الى ان «الأخطار التي يتعرض لها المدمن في مراكز التوقيف هي الموت من الجرعة المفرطة، وإذا خرج المدمن وتعاطى المخدّر بالكمية المعتادة، فإن تعرضه لخطر الموت بالجرعة المفرطة كبير جداً». ويفنّد طرق العلاج المتوافرة في لبنان كالآتي: - علاج إزالة السميّة: موجود في بعض المستشفيات وهدفه معالجة التبعية الجسدية للإدمان. - مراكز التأهيل المقيمة: يبتعد المدمن كلياً عن محيطه الخارجي لأشهر عدة بهدف إعادة التأهيل الشاملة لحياته. - مراكز المتابعة الخارجية: تعالج المدمن وتواكبه في حياته اليومية أو الأسبوعية ضمن محيطه. - مراكز علاج داخل السجون: هدفها المعالجة والتأهيل، لكن ما يجرى داخل الزنزانات لا يوحي بالتفاؤل، اذ يقال ان المخدرات تدخل أحياناً الى مراكز العلاج في سجون الدولة وخارجها!